في أحد كتبه قال الكاتب المصري سلامة موسى جملته الشهيرة “إن الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا” .. كلام بسيط لعالمين متناقضين، مختلفين، ليس فيهما ما يشبه الآخر، تفكيرا وعادات وتقاليد وموروثات اجتماعية وتباينا في وجهات النظر، والأهم أن الغرب استعمار والشرق مستعمر، ثم إننا كلما اقتربنا أكثر سنصل إلى الوجود العربي الذي هو خلاصة حقد الغرب عليه.
يوم جاء أحفاد من قادوا الحروب الصليبية إلى ربوع بلادنا للاعتذار عما اقترفه أجدادهم من قتل ومآسٍ وخراب دام أكثر من مائتي عام تقريبا، كان العرب لا يزالون يطبعون الكتب عن تلك الحروب الكارثة التي تركت وراءها ضحايا لا تعد، وعالما عربيا مكتشفا لكره الغرب له ومحاولة إخراجه من حضوره المشرقي بإبعاده إلى الصحراء، بل بإلغائه تماما من الوجود.
بعد كل تلك الأعوام ومئات السنين لم يندمل الجرح الذي خلفه الصليبيون، فكان اعتذار الأحفاد أشبه بإعادة النظر بما فعل أجدادهم وبما ارتكبوه. ورغم خروج الصليبيين من بلادنا، ظلت أفكارهم تتأوه للعودة متى سنحت لها الظروف .. هم خرجوا بحكم تلاشي إمكانية الحضور لأسباب تخصهم إضافة إلى أن المنطقة وبحكم خلاياها الحية ظلت ترفضهم، ومن تعامل معهم فهم حفنة من رجال تكرروا في حياة العرب، وفي أي مكان من بلادهم وأقطارهم.
ظلت عيون الغرب على أمة العرب وظل فكرهم على توليد ما هو معني بحقدهم الدفين. وفي قفزة في التاريخ، فإن الكذب الذي مارسه الغربيون على أهل الثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف الحسين بن علي، وما تقدم لاحقا من عملية تقسيم المنطقة بين سايكس وبيكو، ثم الأبشع والأكثر كارثية وعد بلفور الذي تجاوز العرب تماما، بل اعتبر أن لا وجود لشعب فلسطين على أرض.
لعل التاريخ العربي الحديث ينضح بالوجود الاستعماري الذي جاء تكملة للحملات الصليبية المتكررة. هم كرروا حضورهم على شكل حملة حين عادوا بجيوشهم لتملأ بلادنا وأفكارنا، ولتعبث بحريتها، ولتزرع جرثومة فيها .. أليس يعني ما هو معنى في حقدهم التاريخي على العرب..؟ ألم يقل الجنرال الفرنسي غورو حين دخل إلى دمشق إثر معركة ميسلون، بعدما وضع رجله على قبر صلاح الدين الأيوبي جملته الشهيرة “ها قد عدنا يا صلاح الدين”، وكأنه يلفظ الحملة الصليبية الجديدة التي لا تختلف معنى ولا مبنى عن كل سابقاتها؟
قدموا لواء اسكندرون هدية لتركيا، فعلوها بكل بساطة، حققوا الوعد البلفوري بإقامة كيان صهيوني على أرض فلسطين، نسجوا وجودا مستفيدين من إخفاقاتهم إبان الحملات السابقة على بلادنا .. وها هم يعيشون في أفكارنا كالقدر بعدما فرضوا مفاهيمهم وتقاليدهم وثقافتهم وحتى فنونهم.
ثمة الكثير الذي زاد التناقض بين الشرق العربي والغرب بكل تعريفاته الحديثة إلى الحد الذي صار من المستحيل اللقاء بينهما سوى بما هو مرسوم من مصالح مشتركة ليس إلا .. ومن المؤسف أن تخلفنا مفضوح تماما، وحاجتنا إلى الغرب في شتى ميادين الحياة تكاد لا تعد ولا توصف .. احتلالهم لنا بهذه الطريقة أصعب من وجودهم المباشر.. خياراتنا إذن أن تظل منطقة العرب بحيرة غربية كي نظل على قيد الحياة. لكن ذلك لا يعني اللقاء بين طرفين متناقضين مهما بلغت حدة الحاجة العربية إلى هذا الغربي المتقدم.
زهير ماجد – الوطن العمانية
Discussion about this post