في الطريق إلى صفقة القرن وقع الثلاثة، الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس حكومة كيان الإحتلال بنيامين نتنياهو وولي العهد السعودي محمد بن سلمان. والثلاثة آخر من تبقى من حلف المئة وثلاثين دولة الذين قادتهم واشنطن في إعلان الحرب على سورية بعد الفشل الذريع في هذه الحرب، والثلاثة تعاقدوا على صفقة شرعنة احتلال القدس وإعلانها عاصمة لكيان الاحتلال مقابل حلف خليجي إسرائيلي أميركي بوجه إيران عنوانه إنهاء القضية الفلسطينية، وبدون هذه الصفقة لا فوائد ترتجى من العقوبات على إيران ولا قيمة للانسحاب من التفاهم النووي معها. وبدون شريك فلسطيني لا قيمة لهذه الصفقة، وقد فشلت مساعي توليف هذا الشريك وانتهى الأمر. فالشعب الفلسطيني قال كلمته، مَن بوقع على بيع القدس مقتول مقتول مقتول.
– يواجه الرئيس ترامب بعد الانتخابات النصفية للكونغرس موجة صاعدة عنوانها، نهوض شبابي منح الحزب الديمقراطي أغلبية مجلس النواب بمشاركة زادت المقترعين بنسبة 40 محور مشاركتها أنها ضاقت ذرعاً بكل ما جلبه ترامب على أميركا، بلغته وخطابه وعنصريته وسياساته وسلوكه الفظ وعنجهيته، والأهم فشله في صناعة نصر خارجي أو إنجاز داخلي. ويعرف ترامب أن الموجة إلى تصاعد وسوف تكون بانتظاره بقوة أكبر مع الانتخابات الرئاسية. وطريق ترامب الوحيد للرهان على تغيير الموازين هو الانقلاب على شريكيه نتنياهو وإبن سلمان لولا أن السياسة العليا تمنعه من ذلك، فالتخلي عن السعودية تخلٍّ عن «إسرائيل»، وربما تسريع بسقوطها، كما قال ترامب.
– يواجه نتنياهو بعد فشل صفقة القرن المأزق الاستراتيجي الذي صنعته انتصارات المقاومة وثبته صمود سورية، حيث «إسرائيل» الكبرى ماتت مع زوال الاحتلال من جنوب لبنان، ودفنت مع زواله عن قطاع غزة، فما عادت أحلام التوسع العسكري ذات مكان، و»إسرائيل» العظمى القائمة على قوة الردع وفرض الإرادة ومقايضة الأمن بالاقتصاد، سقطت مع تآكل قدرة الردع منذ فشل جيش الاحتلال في حرب تموز 2006 وفشله اللاحق في حروب غزة، وفشله الأعظم في إعادة إنتاج قدرة الردع من بوابة الحرب على سورية، وجاءت تجربة غزة الأخيرة لتقول إن استعادة هذه القدرة أضغاث أحلام، وإن إسرائيل الصغرى التي بنيت على صفقة القرن كدولة يهودية عاصمتها القدس تواجه مأزق الوجود بعد فقدان الدور.
– شكّل سقوط صفقة القرن إيذاناً بسقوط الحلقة المحورية فيها وهو ولي العهد السعودي صاحب التعهد بتأمين التوقيع الفلسطيني، وهو الحلقة الأضعف بين حليفيه ترامب ونتنياهو، فجاءت قضية قتل جمال الخاشقجي تصنيعاً أو توظيفاً المدخل المناسب لبدء العملية التدريجية للتموضع الجديد للسياسات الأميركية. فالدور السعودي يفقد الوظيفة وهو كما قال ترامب الركن الذي تعتمد عليه السياسة الأميركية في حصار إيران وحماية «إسرائيل». وترابط الهدفين معلوم. فالحصار على إيران له قضية كبرى اسمها حماية «إسرائيل»، والسعودية ما عادت تنفع في كليهما.
– للمرة الأولى يتحدث بنيامين نتنياهو عن أن الكيان في وضع يشبه عشية حرب العام 1947 وهو يعلم أن لا جيوش تستعد للحرب على الحدود، لكنه يقصد بوضوح عودة القلق الوجودي ذاته الذي عاد للظهور، وللمرة الأولى يضطر الرئيس الأميركي، للإعلان أن دور السعودية في السياسات الأميركية هو حماية «إسرائيل»، لكنه يقول كلاماً خطيراً بإيجاز، رحيل «إسرائيل» بسقوط السعودية، محاولاً استنفار آخر نقاط مفاهيم الأمن لدى الأميركيين وعلاقتها بحماية «إسرائيل» لمنح الوقت لترتيب البيت السعودي بهدوء، لأن القلق على «إسرائيل» بات وجودياً بعد التسليم بنهاية الدور.
– «إسرائيل» الصغرى وقلق الوجود متلازمة القرن، بعدما كانت متلازمة القرن الماضي «إسرائيل» الكبرى و»إسرائيل» العظمى وتعاظم الدور، والفضل لشلال تضحيات وتراكم انتصارات من لبنان إلى سورية والعراق واليمن والأهم فلسطين، وفي الخلفية عمق استراتيجي اسمه إيران، وحليف صادق ونزيه اسمه روسيا.
ناصر قنديل ـ البناء
Discussion about this post