المهندس: ميشيل كلاغاصي
( مع إنتهاء الانتخابات الأمريكية النصفية، وما بين حرائق كاليفورنيا وفظاعة جريمة قتل الخاشقجي، وتهرّب الرئيس الأمريكي من إعلان ولي العهد السعودي مسؤولا مباشرا عنها، ومع إنكسار شوكة التحالف السعودي في العدوان على اليمن، وخسارة “داعش” اّخر معاركه في تلول الصفا السورية، وسط عودة النازحين الطوعية الاّمنة، وتوازن الإنتصارين العسكري والسياسي تمضي سوريا واثقة مسرعة نحو رسم حصتها الكبيرة من ملامح المرحلة والعصر الجديد، على وقع تصدع القبة الحديدية وحاجة “إسرائيل” إلى الحماية أكثر من قدرتها على حماية وقيادة المطبعين معها, على ضفاف زحمة الأحداث الإقليمية والدولية الموازية…)
كان من اللافت في قمة هلسنكي تعاون الرئيسين بوتين وترامب وإهتمامهما بحل الأزمة الإنسانية وعودة اللاجئين إلى سوريا وإلى مناطق سيطرة الدولة, وعلى الرغم من تأكيدهما ضرورة الحل السياسي إلاّ أن الرئيس الأمريكي أكد “عدم وجود أي إتفاقات أو ترتيبات عسكرية محددة حيال سوريا”, ما يعني أن أمريكا لا تزال تحتفظ بغموض أهدافها في سوريا, وأنها لم تعلن بعد استسلامها العسكري , ولم تقرّ بإنسحابها من قاعدة التنف ومن 14 قاعدة عسكرية أخرى على الأراضي السورية , ولم تعلن سلفا أسماء كافة حلفائها أو أدواتها اللذين تنوي التخلي عنهم , إلاّ بتوقيتها الخاص كما حصل في درعا والجنوب السوري, ولم تعلن صراحة – حتى اللحظة – تخليها عن دعم “قوات سورية الديمقراطية” و “قوات الحماية” رغم بعض المؤشرات, كذلك لم تعلن وقف دعمها لحليفها التركي الذي تزاحمه على نصف مدينة منبج, رغم عديد الخلافات والمشاكل العميقة بينهما.
كان على الإدارة الأمريكية الإعتراف بفشلها في الإبقاء على ملف النازحين واللاجئين وربطه بالحل النهائي بقرارٍ وضماناتٍ أممية, والحفاظ عليه كعامل ضغطٍ لإبتزاز الدولة السورية وجميع اللاعبين بما فيهم الأتراك والأوروبيين… فاللاجئون يعودون من الأردن ولبنان وتركيا ومن بعض الدول العربية والأوروبية, ولو بوتيرة لازالت بطئية نوعا ما , لكنها تؤكد بداية تفكك هذه الورقة, ولم يعد الإعلام المعاكس قادرا على الإقناع ب”مخاطر” العودة وتداعياتها على المواطنين بالتوازي مع إعادة تأهيل الدولة مناطقهم أو أماكن استقبالهم بما يضمن لهم العيش الاّمن والكريم , ناهيك عن كل التسهيلات والإعفاءات ورفع إشارات الإستدعاء للخدمة الإحتياطية للمكلفين بها, بالإضافة إلى استمرار المصالحات الوطنية, فالدولة السورية تتصرف بوعي ومسؤولية وذكاء بما يعكس رغبتها بعودة أبنائها إلى الوطن ليعيدوا بناء حياتهم ووطنهم الذي دمرته الحرب الإرهابية وحروب الوكيل والأصيل و”الربيع العربي”, الأمر الذي يعكس ثقتها بانتصارها وبقدرات مؤسستها العسكرية الولادة والقادرة على رفد الجيش الوطني بالأعداد الكافية لتلبية إستكمال التحرير, والإنتقال بشكلٍ نهائي وكلي نحو الحل السياسي.
ومن خلال نظرة سريعة لذرائع الولايات المتحدة التي تعتبرها موجبات لبقائها على الأراضي السورية، كإنسحاب القوات الإيرانية رغم شرعية وجودها في سوريا، واستمرار واشنطن بمحاربة “داعش”، وبروز الحديث عن شرعية وجودها الذي تم وفق تحالفٍ دولي “شرعي” – بحسب إدعائها -,… في وقتٍ تحاول فيه تحصين قواتها المتواجدة في التنف بالإعتماد على إرهابيي “مغاوير الثورة” لحماية حركة قوافلها من وإلى الشمال, وفي وقتٍ تضع كامل ثقلها مع شريكها التركي لمنع إنطلاق معركة تحرير إدلب , بداعي قلقهما ومخاوفهما من وقوع “كارثة إنسانية”, ويبقى إعتمادها على الرئيس التركي في استهلاك الوقت وزيف ادعائه بتطبيق بنود الإتفاق الروسي – التركي, بإنشاء منطقة عازلة أو منزوعة السلاح, وإلتزامه بفرز المسلحين عن إرهابيي جبهة النصرة ومن لف لفها, والإتجاه نحو خطوات إضافية على طريق الحل السياسي … لكنها لم تنبس ببنت شفة وهي ترى مماطلة أردوغان وقواته وعربدتهم والإرهابيين وتحصين مواقعهم , خروقاتهم اليومية ومهاجمتهم للقوات السورية المتواجدة على حدود المدينة والمتأهبة دائما للقيام بعملٍ نوعي لإستئصال الإرهاب دون توسيع نطاق العمل العسكري لحماية المدنيين…, الأمر الذي ينهي الحرب الإرهابية بشكل نهائي بالتوازي مع قضاء القوات السورية على “داعش” في اّخر معاقله في تلول الصفا, وهذا يدفعنا للتساؤل عن تلك المخاوف وذاك القلق الأمريكي – التركي من إنهيار الإرهاب في إدلب؟.
يوما ً بعد يوم تتزايد المؤشرات والدلائل التي تؤكد رجحان كفة أردوغان أمريكيا ، على حساب كفة “قسد” و”قوات الحماية”، الأمر الذي بدا جليا ً في احتفالية باريس لإنهاء الحرب العالمية الأولى، بما يؤكد عودة علاقاتهما إلى أفضل مما كانت عليه، بالتوازي مع الوضع الصعب الذي تعيشه القوات الكردية لناحية قدرتها في الدفاع عن نفسها أمام هجمات “داعش” وغيرها…. ما يؤكد أهمية وضرورة صحوة قادة الإنفصاليين من أكراد سوريا وبعض من يقفون معهم في شمال وشرق البلاد، فلا زال العرض السوري “الحوار” قائما ، على الرغم من تأكيد الدولة السورية -في عدة مناسبات -على عدم تساهلها ومعاقبتها لمن “تسول له نفسه العبث بأمن وسيادة ووحدة البلاد”.
وفي وقتٍ باتت خشية الأمريكيين من الإحراج والخروج المذل أو بالمواجهة العسكرية واضحة, يأتي بحثهم عن شرعية وجودهم بمثابة الدليل القاطع, علما أن الطلاق البائن مع “قسد” لم يتم بعد, وأن لجوئها لربط الأحداث في سوريا والمنطقة والعالم يفيد بتعقيد المشهد أكثر فأكثر ويجعله عصيا على الحل, بالإضافة لإهتمام الإدارة الأمريكية بمقتل جمال الخاشقجي وربطه المباشر بما يحصل على الأرض بين تركيا وقطر من جهة والسعودية والإمارات ومصر وفريق التطبيع وصفقة القرن من جهة أخرى, بالتوازي مع تزايد الضغوط لإنهاء الحرب اللاأخلاقية على اليمن, والعدوان على غزة وتداعياته المفاجئة للإسرائيليين أولا وللأمريكيين ثانيا.
أخيرا … تبدو المواد اللاحمة بين الولايات المتحدة وأدواتها تمر بحالة تداعي وإنهيار, كما يتأكد لغالبية الداخل الأمريكي فشل إدارة ترامب في عديد السياسات الخارجية ورهاناتها, وكلامها الصريح عن وقف الحرب على اليمن والذي ينبع – دون شك – من رحم قرارها الكبير بضرورة وقف الحرب على سوريا, وحتمية التغييرات على مستوى العرش السعودي, مع ظهور أولى بوادر هزيمتها في ملف العقوبات على إيران, وبحشد المزيد من الكراهية والضغط والعقوبات على روسيا , وبمخاوف أوروبا التي تتحسس جيشا أوروبيا, وبحاجة “إسرائيل” الماسة إلى الحماية أكثر من قدرتها على حماية وقيادة المطبيعين معها وإدارة مشاريع صفقة القرن وتشكيل “الناتو العربي”… وعلى صعيد الملف السوري بتصدع قدرتها على منع معركة إدلب إلى الأبد, فسوريا تعتمد توقيتها والرئيس الأسد ومحور المقاومة لإنهاء جمود المشهد واستمرار الإرهاب في إدلب بعدما استطاعت إمساك العصا من المنتصف ما بين “قسد” وأردوغان، وعليه سيكون السباق نحوها لا ضدها، وهذا سيضع دمشق وواشنطن وجها لوجه, وقد يدفع الإدارة الأمريكية نحو التفكير جديا بالمحادثات السورية – الأمريكية المباشرة, دون إنتظار نتائج السباق بين الأتراك والأكراد.
Discussion about this post