عبد الله سليمان علي- السفير | أقرّ وزير الخارجية القطري خالد العطية أن بلاده تدعم «حركة أحرار الشام الإسلامية»، التي اعتبرها «حركة سورية تهدف إلى تحرير سوريا»، ونفى أي تحالف بينها وبين «القاعدة».
أقرّ وزير الخارجية القطري خالد العطية أن بلاده تدعم «حركة أحرار الشام الإسلامية»، التي اعتبرها «حركة سورية تهدف إلى تحرير سوريا»، ونفى أي تحالف بينها وبين «القاعدة».
غير أن كلام الوزير القطري، مهما تضمّن ظاهرياً من غزل ومديح بالحركة، لا ينفي أن معركة خفية تجري من وراء الستار بين أجهزة استخبارات بلاده من جهة، وبين تيار مؤثر داخل «أحرار الشام» تغلب عليه الصبغة «القاعدية» من جهة ثانية.
قطر باتت تهيمن بشكل كامل على الجناح السياسي في «أحرار الشام»، وهي قادرة على التحكم به وإملاء أوامرها وتوجيهاتها عليه كيفما تريد. وقد تكون هذه الهيمنة القطرية أحد جوانب التشابه مع حركة «طالبان» التي تحتضن الدوحة مكتبها السياسي، والتي لا تخفي القيادة السياسية في «أحرار الشام» إعجابها بتجربتها ورغبتها بتطبيقها في سوريا.
وثمة مؤشرات على أن الاستخبارات القطرية تبذل جهوداً كبيرة في سبيل «أخونة» «أحرار الشام»، واقتلاع جذورها من تربة «السلفية الجهادية»، وإعادة غرسها في «حديقة الإخوان المسلمين الدولية» لإضفاء طابع الاعتدال عليها، ومحاولة الحصول على اعتراف إقليمي ودولي بها كطرف أساسي في أي عملية تسوية سياسية مقبلة في سوريا، وذلك بالتعاون والتنسيق مع تركيا. غير أن مشكلة الدوحة هي أن «الجناح العسكري في أحرار الشام» ليس خارج نطاق هيمنتها وحسب، بل لا يزال يسيطر عليه التيار «القاعدي» الرافض بصورة قاطعة لعملية «الأخونة»، ويقوده أحد رموز هذا التيار وهو أبو صالح الطحان.
ومن غير الواضح، حتى الآن، ما إذا كان جناحا الحركة السياسي والعسكري قادرين ضمن مستويات معينة، وفي ظروف خاصة، على التنسيق في ما بينهما، وتوزيع الأدوار حول بعض القضايا في محاولة لمراكمة مكاسب الحركة عامةً بغض النظر عن التباين بينهما. لكن المؤكد أن الخلاف بين الجناحين واسع، وكل منهما يريد قيادة الحركة باتجاه مختلف.
وقد برز هذا الخلاف، مؤخراً، بخصوص ما تمّ تداوله من وجود مفاوضات برعاية قطرية، تجري بين كبرى الفصائل المسلحة لتشكيل «هيئة تحرير وطنية». وكانت «السفير» أشارت في تقرير سابق إلى أن الجناح السياسي يؤيد هذه الخطوة ويحثّ عليها، فيما يرفضها الجناح العسكري ويسعى إلى إجهاضها. وما دعا للحديث عن توزيع الأدوار، ما قاله لـ «السفير» مصدر مقرب من «جيش الإسلام»، وهو فصيل مشارك في المفاوضات، أن «حركة أحرار الشام لم تبد رسمياً في البداية أي مرونة في المفاوضات، وتعاملت وكأن الفكرة مرفوضة من جانبها»، لكنه أضاف أن «أحد قيادات الحركة قدّم بعد ذلك مقترحاً واضحاً إلى المندوب القطري الذي تجري المفاوضات برعايته، مفاده أن ثمن قبول الحركة بتشكيل الهيئة هو إعطاء تعهد وضمانات من الدوحة بأن الصواريخ المضادة للطائرات ستصل إلى مخازن الفصائل المشاركة في تشكيل الهيئة، بالتزامن مع إعلان التشكيل، ودون ذلك لا مجال للمشاركة فيها». وأعرب المصدر عن قناعته بأن القياديين في «أحرار الشام» أبو صالح الطحان، القائد العسكري العام، وأبو محمد الصادق المسؤول الشرعي العام، لعبا وما زالا يلعبان دوراً سلبياً لمنع حدوث أي تقارب بين حركتهما مع «جيش الإسلام».
وفي هذا السياق، كان لافتاً أن «أحرار الشام» تعمّدت الإعلان عن تحالفها الجديد مع «جبهة النصرة» (فرع «القاعدة» في الشام) بعد ساعات فقط من تصريح العطية بأن الحركة «لا تتحالف مع القاعدة»، الأمر الذي شكّل صفعة للوزير الذي بدا وكأنه لا يعرف عما يتحدث، حيث لم يكد الوزير ينهي كلامه أمام شبكة «سي أن أن» الأميركية، حتى أُعلن عن تشكيل تحالف «جند الملاحم» في الغوطة الشرقية الذي ضمّ ثلاثة فصائل، هي «جبهة النصرة» و «أحرار الشام» و «الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام».
وينبغي عدم إغفال أن الإعلان عن التحالف الجديد جاء أيضاً في غمرة الحديث عن تشكيل جسم سياسي وعسكري موحد بين «أحرار الشام» و «جيش الإسلام» و «فيلق الشام»، باستثناء «جبهة النصرة»، تحت مسمّى «هيئة التحرير الوطنية»، فإذ بـ «أحرار الشام» تدير ظهرها للمفاوضات وتسارع إلى التحالف مع «جبهة النصرة» واستثناء «جيش الإسلام»، وذلك في خطوة تناقض ما كان مطلوباً منها. فهل تصرف «أحرار الشام» صدر عن قيادتها العامة وباتفاق جناحيها السياسي والعسكري أم أن أبا صالح الطحان استطاع التأثير في «أمير الحركة في الغوطة» أبو سليمان الزبداني وإقناعه بدخول التحالف بغض النظر عن رأي القيادة العامة. وقد كانت مثل هذه الخطوة حدثت من قبل، عندما ذهب فرع الحركة في الغوطة للاندماج مع «فيلق الرحمن» من دون موافقة قيادته، وحصلت بعدها الإشكالات المعروفة.
وأكد المصدر السابق لـ «السفير» أن هذه الخطوة، أي تشكيل «جند الملاحم»، رغم أنها خطوة صغيرة وتتعلق بجبهة واحدة من جبهات القتال في سوريا، إلا أنها تعتبر مؤشراً على أن «أحرار الشام» تتجه في أحد طريقين: إما نحو ترسيخ الخلافات بينها وبين «جيش الإسلام»، بالرغم من التصريحات العلنية لقادة الفصيلين حول التقارب بينهما، وذلك تمهيداً لحسم خياراتها العسكرية بإبقاء التحالف مع «جبهة النصرة» وحدها، أو أنها سارعت إلى الإعلان عن تشكيل غرفة «جند الملاحم» من باب الضغط على الطرف القطري لدفعه إلى النظر بجدية في مطلب «الصواريخ المضادة للطائرات»، والذي لا شك سيؤثر في مجمل عملية التفاوض حول «هيئة التحرير»، طالما أن الحركة مصرة على قبض الثمن سلفاً.
مع التنويه هنا أن «السفير» كانت قد كشفت في السابع من الشهر الحالي عن قيام بعض الفصائل بتقديم طلبات إلى بعض أجهزة الاستخبارات المرتبطة بها لتزويدها بأسلحة مضادة للطائرات، بذريعة التصدي لما أسمته «الغزو الروسي»، ما يعني أن مطلب «أحرار الشام» كان سابقاً على المفاوضات بخصوص «هيئة التحرير»، لكن يبدو أن عدم تلبيته دفع الحركة إلى استغلال المفاوضات لممارسة مزيد من الضغوط لعلّها تجدي نفعاً في تغيير موقف الدول الداعمة لها.
لكن في المقابل، هناك جهود قطرية حثيثة تبذل من أجل إحداث تغيير في عقيدة وبنية «أحرار الشام»، على نحو يساعد الدوحة على الإمساك بزمام الحركة من كلا جناحيها: السياسي والعسكري. مع التشديد هنا أن هذه الجهود القطرية تجري بالتعاون والتنسيق مع السلطات التركية باعتبار الطرفين في محور واحد.
ومن هذه الجهود حركة «البيعات» الكثيفة من بعض الفصائل باتجاه «أحرار الشام»، حيث يتم الإعلان بشكل شبه يومي عن اندماج فصيل جديد مع الحركة، كان آخرها الإعلان عن اندماج «لواء واعتصموا»، المكون من كتائب في الريف الحلبي لا سيما بيانون ورتيان، مع «أحرار الشام». فهذه «البيعات»، وإن كان أحد أهدافها هو توحيد الفصائل وتقوية بعضها البعض في مواجهة تحديات المرحلة، ممثلة بالتدخل الروسي، فإنها تهدف أيضاً إلى التمهيد لحسم الصراع داخل الحركة بين التيار المسمّى «إصلاحيا» و «التيار القاعدي»، حيث من المفترض أن زيادة أعداد الفصائل التي تحمل فكر «الإخوان المسلمين» ضمن نسيج «أحرار الشام» سيؤدي إلى هيمنة هؤلاء على القرار فيها عاجلاً أم آجلاً، وبالتالي إنهاء هيمنة «التيار القاعدي» على الجناح العسكري وجزء من الجناح «الشرعي». وبلا شك فإن حركة «البيعات» هذه لم يكن لها أن تحدث لولا وجود ضوء أخضر من الدول الداعمة للفصائل، وعلى رأسها قطر.
Discussion about this post