بقلم : بشير حسن بدورإن صعود الحركات الاسلامية الى سدة الحكم كالذي حصل في تونس ومصر وليبيا واليمن والمحاولة المستميتة لتلك الحركات الى الحاق سوريا بذلك قد اعتمد في مرجعيته الى مفاهيم كلاسيكيه سياسية من التراث السياسي الاسلامي والذي يبتعد معاكسا من مفهوم البناء الحديث للدولة التي تعتمد في مصطلحاتها الحديثة على مفهوم المواطنة ومبدا الراي والراي الاخر وهيكلة النظم المؤسساتية لبناء الدولة العصرية. وكان ما سُمّي بالربيع العربي نقطة تحول هامة وجسر العبور لتلك الحركات الإسلامية واظهار دورها التعصبي والتكفيري تحت راية الخلافة الإسلامية بمفهومها الوهابي
وبالعودة لأصل مصطلح الإسلام السياسي يمكننا أن نقف على الخلط القائم بين الخطاب الدعوي من جهة والخطاب السياسي من جهة ثانية لتلك الحركات الإسلامية الصاعدة. فهو مصطلح سياسي اعلامي اكاديمي أُستخدم لتوصيف حركات سياسية لها مرجعيات غربية ، قائمة على هدف التغير لنظام سياسي حاكم , معتمدتاً على مجموعة افكار تؤمن بأن الشريعة الإسلامية ليست ديانة فقط يستخدمها مجموعة من المسلمين الاصوليين ، وإنما هي عبارة عن نظام سياسي اجتماعي قانوني اقتصادي يصلح لبناء مؤسسات الدولة .
إن نشوء ظاهرة الاسلام السياسي يعود الى المستوى الاقتصادي المتردي لمعظم الدول الاسلامية حيث بدأت منذ الاربعينيات بعض الحركات الاشتراكية في بعض الدول الاسلامية تحت تأثير الفكر الشيوعي كمحاولة لرفع المستوى الاقتصادي والاجتماعي للأفراد إلاّ ان انهيار الاتحاد السوفياتي في التسعينيات من القرن العشرين قد خلّف فراغا فكريا في مجال الاصلاح الاقتصادي والاجتماعي . وجاء التفسير في الدول الإسلامية بأن هذا التخلف والتردي مرده يعود الى ابتعاد المسلمين عن تطبيق نصوص الشريعة الإسلامية بشكل صحيح وتأثر حكوماتهم بالسياسة الغربية
وكان ايضا للقضية الفلسطينية والصراع العربي – الصهيوني واحتلال إسرائيل للضفة الغربية وقطاع غزة، وفترة الثورة الإسلامية في إيران وحرب الخليج الثانية، دوراً كبيراً في تمهيد الساحة لنشوء فكرة أن السياسة الغربية مجحفة وغير عادلة تُجاه المسلمين وتستخدم مفهوم الكيل بمكيالين .
ولن يغيب عن الذاكرة – الحرب على الإرهاب – تلك التي وظفتها الإدارة الأمريكية بقيادة جورج بوش في محاولة منها للسيطرة على مقدرات البترول أساسا في المنطقة العربية ، وفتح سوق كبيرة للسلاح، فقد ساهمت بقسط كبير في جعل الحركات الإسلامية تتأرجح بين مبدا العنف ومبدا اللاعنف . ويمكن الاشارة الى أن الحركات السلفية قد كسرت كل القيود التي ضربتها الحركات الإسلامية التي تدعي المدنية والوسطية، باعتبار أن السلفية تعتبرها حركات برجوازية ونخبوية… وقد حادت عن مبدا تطبيق الشريعة الذي يقتضي الجهاد المسلح في الساحات الإسلامية لبسط سيطرة اعتقادها في موروث الخلافة الإسلامية وبناء هيكلة الدولة على اساس ديني تعصبي يكفر من يشاء ويفرض الجزية لمن يشاء .
إن التوسع الفكري الايديولوجي لظاهرة الإسلام السياسي يؤرق الخوف لدى مسيحيي اوروبا لا سيما تردد المصلين الى المساجد ومتابعة الدروس الدينية بشكل مكثّف وخروج هذه الجماعات عن عقلنة الفكر الإسلامي فيما تتبناه من افكار جهادية تكفيرية والعودة حسب زعمها الى منابع الدين الاسلامي أو الردة الاسلامية وإدارة شؤون العباد والبلاد ، واصلاح ما فَسُد فيه عبر الزمان وتنقية ما علق به من وثنية وانحرافه عن المسار الشرعي الذي جيء به كرسالة سماوية ، لكنها تحولت في تشددها الى ما يناقض تعاليم الاسلام نفسه .
فالله لا يهدي من يشاء وفق هؤلاء الأصوليين، بل على العبد المسلم أن يقتل من لا يجاريه في عقيدته، وليس لله أن يحاسب في الآخرة ما دام قد أوكل الى عباده الحساب على الأرض، ولا مندوحة ان نقول اننا لا نتهم جميع المسلمين بهذا الوصف فيما قيل ……
تطور حركة الإسلام السياسيكان المشهد الإخواني في مصر جليا عندما اسسوا حزب العدالة والتنمية وحذا اخوانهم السلفيون حذوهم في الانطواء تحت لواء حزب النور وعلى المسرب ذاته اسسوا اخوان ليبيا حزب العدالة والبناء ليعبّروا عن مواقفهم من بناء الدولة الليبية ما بعد الجماهيرية
ولا بد من الاشارة الى ان ما يمكن اعتباره برنامجا سياسيا شاملا لدى تلك الأحزاب التي تأسست للتعبير عن أفكار الإخوان المسلمين، وعنونة الافكار التي يحاولون تقديمها مجملا وتفصيلا ، وغياب المنظومة الاستراتيجية الدالة على هذه الحركات لا ترقى إلى مستوى البرنامج السياسي في تمفصلاته الدستورية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وهذا ما لوحظ قبل وبعد اعتلاء كرسي الحكم في كل من تونس ومصر .
وبشيء من الثقة نقول اذا كان الاخوان المسلمون في مصر او حركة النهضة في تونس لا يتحملون وزر النظامين السابقين لعهدهم ، بيد انهم مسؤولون في مرحلتهم الانتقالية عما تسلحوا به من اخطاء ارتكبوها وسلحوا خصومهم بها معبرين في ذلك على ان اسلوبهم وادائهم اداء هواة غير موهوبين
والجدير بالذكر إن ما سُمّي بثورات الربيع العربي عملت على دعم وانقاذ هذه التيارات الاخوانية السلفية من مأزق تاريخي ساعدها في ذلك البيئة الاجتماعية الحاضنة لفلسفة التسليم بالدين الحنيف و لكن تلك التيارات أدخلت نفسها في مأزق اصعب يهدد مستقبل وجودها لسنوات طويلة لعدم تبنيها ايديولوجية الدولة الحديثة التي تحترم الديمقراطية والتعددية وحقوق المواطنة وسلمية التداول للسلطة وهذا بالطبع كان بعيدا عن سياسة افكارها واعتقادها . الذي حول ربحها في الوصول واعتلاء كرسي السلطة الى خسارة ومأزق وفشل في تجربة الحكم وهذا ما حصل فعلا ….
وثمة تساؤلاً يُطرح امام الرأي العام بعد تعري ما سُمّي بالربيع العربي ودخوله بصيف حارق في انقلاب فلكي واجتماعي ودولي وسط تسارع للأحداث الدولية التي عصفت مؤخرا، ما هو مصير تلك الجماعات الاخوانية التي تبنت العنف في حراكها؟
وهل تستطيع تيارات الإسلام السياسي إعادة فاعليتها مرة أخرى في المجتمع؟
إن العوامل المنتجة لظاهرة الإسلام السياسي من قوة تنظيمية ودعم مادي ومعنوي تزامن مع الحاضن الاجتماعي في بعض الدول كمصر وتونس إنما ترتكز على تصور امريكي استشراقي روجت له الكثير من مراكز الابحاث الامريكية في العقد الاخير والتي تعتبر الاحزاب الاسلامية السياسية الوسطية منها والمتطرفة , هي رغبة ومزاج وارادة وثقافة جماهير تلك البلاد وبالتالي تكفل لها التحكم بالشارع العربي وضبطه فهي الضامن للاستقرار السياسي وحماية المصالح الامريكية والغربية وعلى رأسها امن البترول واسرائيل, ولذلك فهي ترى (أي الولايات المتحدة والغرب ) ان عملها في دعم وبروز هذه الديمقراطيات الوقائية العرجاء في دول الربيع العربي وبقيادة حركات الإسلام السياسي المعتدل . ضامنا لمعادلات الحكم والمصالح القائمة أمنياً واقتصادياً واستراتيجيا على المستويات المحلية والإقليمية والدولية بالإضافة إلى احتوائها خطر الحركات الإسلامية المتطرفة، وهو ما يشار إليه عادةً بنموذج حكم حزب العدالة والتنمية في تركيا . إلا ان ضعف الثقافة السياسية للأحزاب الاسلامية وخلط اوراقها بين مستويات الحكم والدولة كان قد وضعها في مأزق الخيارات المتردية كالذي تجسد في الحالة المصرية من خلال الاعلان الدستوري الذي اصدره محمد مرسي والذي اعتبره خصومه بمثابة تأسيس لتسلط جديد، وكان تحالف حركة النهضة مع الاحزاب الليبرالية في تونس واعتمادها على شخصيات من النظام السابق في ادارة بعض المفاصل في الدول كالإعلام والداخلية والعدل اثباتا ودليل آخر على عدم كفاءتها في ادارة حكم البلاد.
أما في سوريا لم تكن الولادة طبيعية لتلك الحركات الاسلامية على الرغم من توفر جميع مستلزمات الدعم المادي والمعنوي واللوجستي والحاضنة الاجتماعية لها في بعض المناطق . حيث ان الانتقال المتسارع من الحالة السلمية بتحريض وتدبير خارجي طلبا لمفهوم الحرية الى التسلح الميداني والعمل على التحريض الطائفي واستهداف البنى التحتية للدولة وعدم القراءة الصحيحة لموازين القوى اضافة الى الامتدادات الخارجية وظهور عناصر غريبة على الارض السورية من دول اجنبية وعربية تدعم قتالهم وحراكهم المسلح, الذي لبس قميص الارهاب بمجمل اشكاله والوانه . ومن الطرف الاخر صمود المؤسسة العسكرية المتمثلة بالجيش العربي السوري والانضباط العقائدي خلف القيادة السورية وتلاحم الكتل الوطنية من احزاب ومؤسسات تجاه تللك الجماعات ادى الى كشف اللثام عن تلك الادعاءات التي جاءت بها هذه الحركات الارهابية بمجمل مسمياتها (جبهة النصرة . وداعش . والوية اسلامية لا تحصى ولا تعد ) والتي عملت في محاولات مستميته على قتل وتدمير مقومات الدولة السورية لبسط سيطرة الخلافة الاسلامية وعصبية المجتمع بتيارات ارهابية ذو امتدادات صهيو- امريكية ذات مصالح اقتصادية وجغرافية وسياسية .
بشير حسن بدور
.jpg)












Discussion about this post