بين التهديد والوعيد تارة وبين ارتكاب الجرائم تارة أخرى، يجد كيان الاحتلال الإسرائيلي ذاته أنه بات مطلق اليدين لمواصلة جرائم حربه وانتهاكاته ضد الإنسانية والممارسات الوحشية والقمعية، ومراكمة رصيده المعمد بدماء الفلسطينيين والعرب، ضمن سلسلة طويلة ممتدة من جرائم الحرب التي ارتكبها كيان الاحتلال الإسرائيلي عبر جيشه وعصاباته الإرهابية الصهيونية.
لا أحد يختلف اليوم ـ ومن خلال الواقع الذي يراه صباح مساء ـ على أن كيان الاحتلال الإسرائيلي يرى نفسه أنه قد بات في حل من كل الالتزامات القانونية والشرعية والمعاهدات والقرارات الدولية ذات العلاقة، وأنه وكما دعمته القوى الغربية المتحالفة معه استراتيجيًّا لا يزال يرى ذاته أنه فوق القانون. إلا أن ما يعطيه الأريحية التامة لكي يطلق العنان لجرائمه وانتهاكاته وممارساته الإجرامية والإرهابية بحق الشعب الفلسطيني والشعوب العربية هو التحول الدولي والإقليمي غير المسبوق نحو خدمة مشروع الاحتلال الإسرائيلي الرامي إلى تصفية القضية الفلسطينية، والعمل على تهيئة الأرضية لتمدده في المنطقة بأكملها، وهو الأساس الذي بُني وفقه ما سمي زورًا بـ”الربيع العربي” لزعزعة استقرار دول المنطقة وإسقاطها وتقسيمها، خصوصًا الدول ذات المواقف الداعمة للمقاومة الفلسطينية، على النحو الذي يراه الجميع في كل من العراق وسوريا وليبيا وغيرها.
كما أن القوى المتحالفة استراتيجيًّا مع كيان الاحتلال الإسرائيلي لم تجرؤ من قبل على الكشف عن وجهها الحقيقي، مثلما هو الآن وذلك بسبب النجاح الذي حققته جراء مخطط “الربيع العربي”، حيث بانت حقيقته من خلال ثمرة القطاف التي يسعى كيان الاحتلال الإسرائيلي وبدعم لافت من القوى المتحالفة معه استراتيجيًّا والمتمثلة في ما يسمى بـ”صفقة القرن” التي يؤكد المسؤولون والمعنيون بها ـ وتحديدًا الأميركيين ـ أن إعلانها سيكون بعد الانتخابات الإسرائيلية.
الفلسطينيون على المستويين الرسمي والشعبي يدركون جيدًا طبيعة التحديات والمنعرجات المحدقة بهم وبقضيتهم، ويعلمون يقينًا ما يحاك ويدبر لهم؛ وأضحوا على بصيرة من أمرهم بأن الظهر العربي الذي كان يسندهم قد كسره عرب، فلم يعد موجودًا، لذلك لن يتورع المحتلون الإسرائيليون عن جرائمهم وموبقاتهم ضد الشعب الفلسطيني، لا سيما في ظل التغاضي اللافت من قبل ما يسمى بالمجتمع الدولي عن كل ما يرتكبه المحتلون الإسرائيليون الذين لم يتوقفوا عن نفث سموم عنصريتهم وتحريضهم على استهداف الفلسطينيين، متخذين منهم ومن دمائهم وأموالهم وحقوقهم وأرضهم وسيلة ترويجية لانتخاباتهم، فمن يسفك دماء الفلسطينيين أكثر، ومن يتمكن من نهب أراضيهم ومصادرة جميع حقوقهم، ويسومهم صنوف العذاب يكن الأحق بالفوز في الانتخابات التي من المثير للضحك والأسى في الوقت ذاته أن توصف بأنها انتخابات ديمقراطية. لذا لا غرو أن يستمر بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي الملاحق قضائيًّا بتهم الفساد في اتخاذ القوانين العنصرية، والتلويح باستخدام القوة المفرطة ضد المحاصرين في قطاع غزة، وإنكار وجود الشعب الفلسطيني على أرضه ووطنه، ورفض الاعتراف بحقوقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، وحق عودة اللاجئين، وإطلاق سراح الأسرى وغير ذلك، فهو يسعى إلى الهروب إلى الأمام من قضايا الفساد المتهم بها، ومداعبة الإسرائيليين انتخابيًّا بأنه القادر على إراقة دماء الفلسطينيين ونهب حقوقهم. لكن في الوقت ذاته هذا هو الوجه الحقيقي لكيان الاحتلال الإسرائيلي.
رأي الوطن العمانية