يقف الحل السياسي للأزمة السورية على حدود التماس الدولي والإقليمي، فعناصر التأثير في المسار السياسي لم تعد قادرة على التحرك من جديد، وهناك إرباك عام فالسياسات الدولية هدفها في النهاية إحراج بعض الأطراف، بينما تعجز عن إخراجه لتغيير مسار الأزمة، وداخليا أثبتت كل الأحداث الدامية والتحولات العنيفة عقم البيئة السياسية عن إنتاج قوى جديدة، فالمساحة السياسية لم تتغير لأسباب ذاتية مرتبطة بعدم قدرة المجتمع عن إيجاد تصورات خارج خطوط الصراع القائمة.
على المستوى الإقليمي والدولي استقرت المعادلة في سورية لتترك مناطق توتر مؤجلة، وهذا الأمر ربما يمنع التصادم الدولي سواء في إدلب أم في شرقي الفرات، لكن عملية التأجيل لا تعني أن هناك توافقاً يمكن أن يتبلور قريباً، فهي ليست مرحلة انتظار إنما محاولة لإدخال الدول الضامنة للقاء أستانا في تفاصيل غير قابلة للحل، والرهان على احتمال تفكك التفاهم التركي الروسي الإيراني، فالإدارة الأميركية تدرك أن الصعوبات التي تواجهها هذه الدول ليس في سورية فقطـ، بل على مستوى العقوبات على كل من إيران وروسيا، يمكن أن تؤدي إلى تناقضات في مصالحهما الإقليمية والدولية، وضمن هذا المشهد هناك مؤشران أساسيان:
– الأول إمكانية إفساح الدول الثلاث لعامل جديد يؤثر في التوازن مع قوى التحالف الغربي، وبالتأكيد فإن هذا العامل سيكون على المستوى السياسي الاقتصادي أساسياً لكسر الجمود، وتبدو الصين مرشحاً لمثل هذا الدور رغم عدم وضوح أولوياتها بالنسبة للأزمة السورية.
– الثاني محاولة بلورة مبادرة على مستوى «الشرق» عموماً، وهنا أيضاً تبدو الصين إحدى الممكنات في هذا الأمر، ورغم أن إستراتيجيتها منذ البداية كانت ضد أي قرار دولي يتيح التدخل في سورية، لكنها الدولة الوحيدة التي لم تتعامل عسكرياً مع الأزمة السورية.
«الاحتمال الصيني» يبقى ممكنا في ظل الاستعصاء في الحل السياسي، وهو في الوقت نفسه يحتاج لتفكير سياسي مختلف يحمله الداخل السوري بالدرجة الأولى، فالمسألة هنا هي في إعادة التفكير بجميع العوامل المفقودة بالأزمة، فإنتاج حوامل سياسية جديدة ليس مسألة وقت، بل تحول في النظر إلى نوعية الاشتباك الحاصل، وفي الوقت نفسه رسم مسارات التوازن الداخل بشكل مختلف، فإدخال عوامل إضافية على الأزمة السورية ليس مهمة دولية بامتياز، بل رهانات داخلية سورية بالدرجة الأولى تضع حداً واضحاً لبعض الخيارات، فمنذ بداية الأزمة كانت أوروبا بالدرجة الأولى مساحة التشاور للعديد من القوى السورية السياسية والمدنية، وفي المقابل فإن الأزمة أثبتت أن مثل هذا الخيار عقّد الحل وزاد الانقسام، ومن الطبيعي أن تبقى أوروبا والغرب عموماً عاملاً لا يمكن إغفاله، ولكنه في النهاية أحد الخيارات الثقافية بالدرجة الأولى.
ما يمكن أن يقدمه الداخل السوري لتبديل التوازن ليس شأناً عادياً، بل هو عامل تائه يحتاج لرسم تصورات له ووضعه ضمن مسار يتلاقى مع باقي الخطوط التي تم بناؤها، فأوروبا ومؤتمرات الدول المانحة ليست استعراضاً سياسياً فقط، فهناك تأثير قوي للإيحاء بأن أوروبا هي الأكثر فاعلية في تحديد المسار السياسي، في المقابل فإن الخيارات الأخرى لبناء التوازن مع التأثير الغربي لا تزال خارج إطار التفكير السياسي الاجتماعي، رغم أنها إحدى الاحتمالات الكبرى في إحداث تحول داخل الأزمة المستعصية منذ ثماني سنوات.
مازن بلال – الوطن السورية
Discussion about this post