هل لدى بعض الأنظمة العربية الإرادة لاتخاذ قرار العودة إلى سورية، وإذا كانت لديهم هذه الإرادة هل هم أسياد قرارهم، أم إن هناك خطوطاً حمراً وضعتها إدارة الإستراتيجيات الأميركية في المنطقة تمنعهم من ممارسة واجبهم القومي تجاه شقيق عربي مفترض لطالما كان قلبهم النابض مهما اختلف معهم أو تصارعوا فيما بينهم.
كان من المفترض أن تتبع زيارة الرئيس السوداني عمر حسن البشير إلى دمشق زيارات متلاحقة يبدؤوها وزير الخارجية المصري سامح شكري، بالتوازي مع اندفاعة دبلوماسية تعيد البعثات العربية كافة إلى مقراتها في العاصمة السورية على مستوى سفراء أو قائمين بالأعمال، ما يعني إعادة فتح قنوات التواصل السياسي العلني وليس الأمني السري الذي كان معتمداً حتى الآن في بعض الحالات.
وقد أتت «الاحتكاكات» الإيجابية بين نائب رئيس مجلس الوزراء- وزير الخارجية والمغتربين السوري وليد المعلم مع بعض رؤساء الوفود العربية المشاركة التي شهدتها أروقة الأمم المتحدة، وكذلك التصريحات التي تلتها لتؤكد الرغبة العربية الكامنة في السير نحو إعادة تصحيح العلاقة مع دمشق. وهي رغبة يبدو أنها مازالت كامنة لكن تحقيقها أيضاً ممنوع على بعض العرب، على الرغم من الأجواء الانفتاحية غير المشروطة تجاه سورية التي طبعت الاجتماع العام واللقاءات الثنائية التي عقدها رئيس مجلس الشعب السوري حمودة صباغ أثناء مشاركته في اجتماع الاتحاد البرلماني العربي الذي عقد في العاصمة الأردنية عمان بداية الشهر الجاري.
من المؤكد أن هذه الاندفاعة العربية السياسية الدبلوماسية كانت مفاجئة لأركان الإدارة الأميركية ومؤسساتها في توقيت كان يمكن أن يكون قاتلاً بالمعنى السياسي والإستراتيجي لها، ذلك أن الاندفاعة المذكورة جاءت كمحاولة من هذه الأنظمة لاحتواء تداعيات إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب «التويتري» سحب قوات بلاده المحتلة لبعض الأراضي السورية.
لكن الذي لم يكن مفاجئاً هو الاستجابة السريعة من حكام الأنظمة العربية المعلومة للضغوطات الأميركية لوقف الاندفاعة المذكورة أو على الأقل تجميدها في الوقت الراهن بانتظار جلاء غبار آخر المعارك وأكثرها تأثيراً في مستقبل توازنات المنطقة ومساحة نفوذ كل من المتصارعين فيها.
إن هذا التدبير الزجري الأميركي بحق بعض الأنظمة العربية لا يأخذ بالحسبان المصالح العربية- العربية، ولو كان غير ذلك لوجدنا على الأقل شكلاً ما من الأدوار المُعدة لتلك الأنظمة على خريطة توزع النفوذ الإقليمي في الميدان السوري حالياً ولاحقاً، وخصوصاً أن جُلَّ ما يشغل بال واشنطن أمور عدة لا قدرة للعرب المعنيين على التأثير فيها أو الاستفادة المباشرة منها، وهي تتمثل بالتالي: أولاً، العمل على تطويق النفوذ الروسي الذي يتوسع في المنطقة تدريجياً انطلاقاً من سورية وذلك بسبب ما تبديه القيادة الروسية من قدرة على الانفتاح على القوى الإقليمية النافذة وغير النافذة. ثانياً: السعي لاحتواء تداعيات التحالفات التي صاغتها القيادة الإيرانية مع دول وقوى أساسية فاعلة في الإقليم وهو الأمر الذي مكنها من حجز مكان لطهران على طاولة كبار المؤثرين في الشأنين الإقليمي والدولي. ثالثاً، محاولة استعادة النظام التركي عبر تقديم إغراءات ميدانية له بعدما أحست المؤسسة العسكرية والأمنية الأميركية بتسارع اندفاع هذا النظام نحو تطبيع علاقاته الإستراتيجية والعسكرية بالأخص مع القيادة الروسية. رابعاً، استغلال منع بعض العرب من العودة إلى سورية بهدف ابتزاز الدولة السورية لدفعها إلى تقديم تنازلات جوهرية تطول الدستور السوري والعملية السياسية وموضوع النازحين إضافة إلى ملف إعادة الإعمار.
اعتادت سورية التقلبات في المواقف العربية تجاهها، كما تعايشت مع مؤامرات بعض العرب ضدها وهو أمر ليس بجديد بل قديم يتجدد مع كل مخطط أميركي وإسرائيلي يهدف إلى إعادة صياغة الخريطة الجيو-سياسية للمنطقة للاستمرار في الحفاظ على مصالح واشنطن وضمان وجود وسيادة وأمن الكيان الإسرائيلي. وفي كثير من الحالات إن لم يكن بمعظمها كانت بعض الأنظمة العربية شريكاً ظهراً أو مستتراً في تلك المؤامرات كافة، لكن ذلك لم يمنع سورية يوماً من السعي والعمل على صياغة التفاهمات بين الدول العربية في ظل استحالة تحقيق الوحدة الكاملة في المواقف والتطلعات.
واعتادت سورية أن تعيش بلا أي علاقة مع بعض الأنظمة العربية وخصوصاً خلال سنوات الأزمة-المؤامرة التي مرت وتمر بها، ولكن هل سيتمكن العرب من اعتياد العيش من دون سورية، وبالأصح هل ستقوم لهم قائمة من دون سورية أم سيبقون على هامش صناعة الحدث وبالتالي المستقبل.. مستقبلهم؟
محمد عبيد ـ الوطن السورية