نتائج الانتخابات البلدية التركية أكثر أيلاما لحزب أردوغان «العدالة والتنمية «، ففي المدن الكبرى ذات الثقل الاقتصادي تقلص الفارق بشكل لافت لصالح حزب الشعب الجمهوري منافس العدالة والتنمية. فقد سقطت اسطنبول بشكل شبه محسوم لصالح حزب الشعب الجمهوري، ويتوقع أن تمتد خسارة حزب أردوغان لمدن أخرى.
اسطنبول في المشهد السياسي التركي تحتل مكانة الصدارة رمزيا سياسيا وتاريخيا، وتحديدا في أدبيات أردوغان الذي يتبنى في حملاته الانتخابية مقولة أن اسطنبول صورة مصغرة لتركيا، وان الذي يفوز في اسطنبول يفوز في البلاد بكاملها. وقد خسر اردوغان اسطنبول، والصدمة بلا شك كبيرة على أردوغان وأنصاره، فمن 25 عاما وهم يطبقون بالسيطرة انتخابيا على المدن الكبرى، ومنها اسطنبول التي بعث منها اردوغان، وحقق انتصاره الانتخابي الاول، واحياء اول ولادات لارهاصات مشروعه القومي التركي من المدينة الاعرق في تركيا.
الانتخابات البلدية في تركيا ترسم المستقبل السياسي. والنتائج المفاجئة تحمل مؤشرات سياسية جديدة، ولربما أولها يتعلق بمستقبل الرئيس اردوغان السياسي ؟ وهل يمكن الحديث عن انكسار وانتكاسة لحزب اردوغان ؟ وما هي الاسباب التي دفعت الاتراك لأن يتخلوا عن زعميهم أردوغان ؟ وهل ستحول نتائج الانتخابات الصورة السياسية القادمة لتركيا، وما هي الضمانات لاستفادة احزاب المعارضة من المكاسب الحالية ؟
حتى الان لم يتقبل اردوغان نتائج الانتخابات البلدية التي ذهبت الى القضاء ليكون الحاكم الفاصل بعدما اعترض حزب العدالة والتنمية عليها. واكثر ما يواجه اردوغان سؤال عن مسقبل ولايته التي سيبقى حتى 2023، وبصلاحيات مطلقة بعدما عدل على الدستور التركي قبل اعوام، ويتحكم بالجيش والحكومة والاجهزة الامنية والادارات المالية والقضاء ايضا، ويسيطر على الاعلام الاهلي والرسمي.
أمام أوغلو الفائز في انتخابات بلدية اسطنبول بدأ يتحول الى منافس شرس وحتمي لاردوغان في انتخابات الرئاسة 2023، ولربما أن التاريخ قد يعيد تكرار نفسه، بحيث يعيد تجربة اردوغان قبل 25 عاما الذي انتقل من رئاسة بلدية اسطنبول الى رئيس حكومة وختمها برئاسة الجمهورية في 2014، واردوغان مهندس تركيا الجديدة : العلمانية والديمقراطية.
نتائج الانتخابات عكست تململا في المزاج العام التركي ضد سياسات اردوغان. ولربما أن الاتراك ردوا بصناديق الانتخابات ضربة قاسية لاردوغان وسياسات تخوين وشيطنة المعارضة السياسية التركية. وضربوا في عرض الحائط سياسة حكم الرجل الواحد، وبلاشك أن نتائج الانتخابات ستنعكس على سمعة اردوغان وشعبيته وقوته في العلاقات الخارجية.
اردوغان أفرغ الديمقراطية التركية من معناها الوطني التاريخي « الديمقراطية الاتاتوركية «. واختصرها باستعراضات حكم الرجل الأوحد « الحكم المطلق «، وتفرع في وحل الاشتباكات اقليمية من سورية الى العراق والتحالف الداعم للاسلام السياسي في الاقليم واوروبا بشكل خاص، ولربما أن الموضع الاخير في السياسة التركية الداعم للاسلام السياسي اكثر ما اثار اوساطا سياسية أوروبية وأمريكية، وأطرافا اقليمية عربية تبادل اردوغان الخصومة والعدواة، ويتعايشون بحروب سياسية طاحنة وباردة.
نتائج الانتخابات، وما كشفت عن تراجع لشعبية أردوغان « الموديل المطلق لديمقراطية العرجاء للشعوب المحرومة «، فقد تضعه سياسته في الداخل التركي والاقليم وعلاقته مع القوى الاسلامية في وضع حساس جدا، وخاصة أن الروس والايرانيين يمارسون ضغوطا لقبول الشروط الروسية بانسحاب تركيا من أدلب وسورية عموما.
فارس الحباشنة – الدستور الاردنية