مضى عام كامل على مسيرات العودة الفلسطينية، المسيرات التي واجه فيها الشعب الفلسطيني الأعزل، بلحمه، وجسده، وبفعاليات سلمية، أعتى قوة عسكرية في المنطقة، تمتلك كل صرعات تكنولوجيا القتل العسكرية. فأعاد في مسيراته الأسبوعية الحضور للقضية الفلسطينية، كما فعلت الانتفاضتان الأولى نهاية العام 1987، والثانية صيف العام 2000.
الشعب الفلسطيني، وقضيته الوطنية، وخلال عام من مسيرات العودة، تعرض لسلسلة من الإجراءات الأميركية، التي أقدمت عليها إدارة الرئيس دونالد ترامب، في سعي منها لتبليع الفلسطينيين، وبالتقسيط، الحل المعنون بـــ”صفقة القرن”، بدءا من إغلاق مكتب ممثلية منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، والاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، ونقل السفارة الأميركية إليها، ومن ثم إيقاف المساهمة الأميركية بالميزانية العامة لوكالة الأونروا، وصولا للاعتراف الأميركي بالضم “الإسرائيلي” الجائر للجولان العربي السوري المحتل، خلافا للقانون الدولي وللشرعية الدولية، وقراراتها ذات الصلة.
في هذا السياق، وعندما نتكلم عن الكفاح الوطني الفلسطيني المستديم في مواجهة الاحتلال، لا يمكن أن نتجاوز الترابط الوطني والقومي مع كفاح الجولان ومن تبقى من أهله الصامدين على أرضه وترابه الوطني في القرى الخمس (مجدل شمس، وبقعاتا، ومسعدة، وعين قنية، والغجر) … الذين ما زالوا حتى الآن في حالة حرب الوجود اليومي بمواجهة الاحتلال على أرض الجولان. فسلطات الاحتلال لم تستطع رغم جبروتها كسر إرادة أهالي الجولان، رغم قيامها منذ الاحتلال الكامل للجولان، باعتقال ما نسبته (20%) من مواطني الجولان المحتل، وقد استشهد الكثير منهم في سجون الاحتلال.
إن تاريخ الكفاح الوطني للشعب العربي السوري على أرض الجولان يمتد عميقا منذ أيام الاستعمار الفرنسي، وصولا للسنوات التي سبقت حرب حزيران/يونيو 1967 عندما كانت الجبهة السورية مع فلسطين المحتلة ميدانا للاشتباك اليومي مع العدو “الإسرائيلي”، حيث سطر الجيش العربي السوري وقوات المقاومة الشعبية التي جرى تشكيلها من أبناء الجولان، أروع صفحات الصمود في المعارك اليومية على شواطئ بحيرة طبريا وعلى امتداد خط الهدنة بين فلسطين المحتلة وسوريا الأم.
وبعد العام 1967 تواصل كفاح أبناء الجولان، وتصاعد مع إقرار الكنيست الصهيوني لقانون الضم في 14/12/1981، وفي حينها أصدر مجلس الأمن الدولي وبالإجماع القرار الرقم 497 تاريخ 19/12/1981، وفيه يقرر “أن القرار الذي اتخذته إسرائيل بفرض وقوانينها وتشريعاتها ونظمها الإدارية على الجولان المحتل يعد باطلا وكأنه لم يكن، وعديم الأثر قانونيا على الصعيد الدولي”.
وبالضرورة فإن قانون الضم الإلحاقي القسري للهضبة السورية المحتلة ووجه بالرفض والاستنكار من قبل الجولانيين الواقعين تحت الاحتلال، الذين أعلنوا الإضراب الشامل في 16/13/1981 وأصدروا في حينها الوثيقة الوطنية التاريخية لمواطني الهضبة، وفيها يعلنون “التأكيد على عروبة وسورية الهضبة، وتمسك سكانها بانتمائهم إلى الوطن الأم سوريا، حيث أكدت الوثيقة أن الجنسية العربية السورية لا تزال صفة ملازمة لأبناء الهضبة تنتقل من الآباء إلى الأجداد. كما في رفضهم الهوية الإسرائيلية حين أشارت الوثيقة إلى أن كل من “يتجنس بالجنسية الإسرائيلية أو يخرج عن مضمون الوثيقة الوطنية يكون مجحودا مطرودا، ويحرم التعامل معه”.
وفي هذا السياق فإن حركة المقاومة الشعبية السورية من قبل أبناء الهضبة للاحتلال الصهيوني، قد اتخذت أشكالا مختلفة من المقاومة الشعبية السلمية، إلى الإضرابات والاعتصامات والعمل التعبوي، إلى العمل المسلح، وذلك تبعا للظروف والواقع المعاش الذي حكم ويحكم وجود من تبقى من أبناء الجولان بعد عملية التطهير العرقي الإحلالي الإجلائي الصهيوني عام 1967. ويمكن أن نلحظ نشوء الحركة الفدائية التي حملت اسم حركة المقاومة السرية السورية عام 1983، التي نفذت أولى عملياتها الفدائية من خلال تدمير مستودعات الأسلحة والذخائر العائدة لجيش الاحتلال في مستعمرة نفي أطيف قرب بلدة جباتا الزيت، وتل الريحان على حدود بلدة مجدل شمس، وتفجير موقع إمداد “إسرائيلي” قرب بئر الحديد في منطقة بقعاتا، حيث تم تدمير 2000 صاروخ مضاد للآليات، والآلاف من قذائف الدبابات وفق المصادر الإسرائيلية. وعمليا تم إجهاض حركة المقاومة المسلحة بعد عامين من نشوئها بعد سلسلة القمع الرهيبة التي تم تسليطها من قبل جيش الاحتلال ضد أبناء الهضبة، ووقوع قادة الحركة مثل هايل حسين حمدان أبوزيد، وأمل أحمد عويدات أسرى خلف زنازين جيش الاحتلال.
لقد سطر الجولانيون وما زالوا بصمودهم اليومي، أروع صفحات المقاومة تحت الاحتلال في التاريخ المعاصر, بالإضرابات الدائمة والتمسك بالهوية والانتماء، وإسقاط رهانات الاحتلال. وعليه، كان لقيام (حركة المقاومة السرية) في الجولان عام 1983, نقطة تحول في مسار المواجهة مع الاحتلال بقيادة مدحت صالح, وهايل أبو زيد, وصدقي المقت، ومشرف المقت، وسيطان الولي، وعاصم الولي، وعصام أبو زيد، وعصمت المقت، وايمن أبو جبل، وزياد أبو جبل….. وغيرهم.
إن الاعتراف الأميركي بالقرار “الإسرائيلي” بضم الجولان السوري المحتل، لن يلغي الحقيقة الراسخة التي تقول بأن الجولان عربي سوري، سيعود لسوريا طال الزمن أم قصر، وبالتالي فالقرار الأميركي يبقى حبرا على ورق، خصوصا في ظل الرفض والتنديد الدولي بالموقف الأميركي، وخصوصا من دول الاتحاد الأوروبي التي أصدرت مواقف واضحة بهذا الشأن.
وعليه، إن كفاح الجولانيين من أجل الحفاظ على عروبة الجولان، وعلى اعتباره جزءا من الوطن الأم سوريا، لن يتوقف، وقد يتطور باتجاهات جديدة، في مواجهة دولة الاحتلال، التي تحاول “أسرلة” الجولانيين، واستبدال هويتهم العربية السورية بــ”الهوية الإسرائيلية”.
الوطن العمانية – علي بدوان