أنقرة – دفع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أقرب أصدقائه إلى الابتعاد عنه ولم يبق سوى رئيس الاستخبارات الوطنية هاكان فيدان. وينظر إلى دور فيدان على أنه محوري وأن بيده الانحياز إلى عملية التغيير التي يترقبها الأتراك، خاصة أنه صديق مقرب من الرئيس السابق عبدالله غول كما أن خروجه يربك أردوغان ويقوّي الجبهة المعارضة التي تضم قيادات بارزة في طريقها إلى مغادرة حزب العدالة والتنمية الحاكم.
ولا يخفي هاكان فيدان رغبته في لعب دور سياسي، وقد سعى إلى ذلك بعد أن أنهى قيادة جهاز الاستخبارات لمدة خمس سنوات.. كان يخطط لأن يكون نائبا في البرلمان ثم وزيرا للخارجية، فرئيسا للوزراء على خطى أحمد داود أوغلو، لكن أردوغان أطاح بأحلام رئيس استخباراته السياسية.
ويتمركز فيدان وجهاز الاستخبارات الوطنية الذي يديره ويتحكم فيه في قلب الدولة مباشرة، وقد ظل رئيس الاستخبارات إلى الآن يصطف دائما مع الجانب الفائز.
كما أن الوسائل التي يحتفظ بها بوصفه رئيسا لجهاز الاستخبارات لا تزال قوية، وقد يضعها تحت تصرف حزب جديد مثل الحزب الذي يستعد علي باباجان لتشكيله بهدف إعادة تصويب سياسة حزب العدالة والتنمية الذي يحتكر أردوغان قيادته ويوظفه لخدمة نفسه وتعبيد الطريق أمام خططه لإحكام القبضة على السلطة.
وبالنظر إلى احتكار جهاز الاستخبارات للأنشطة الاستخباراتية، فستكون مساهمته لصالح أردوغان أو صديقه القديم غول لها أهمية كبرى. ويعتمد مصير فيدان على ما إذا كان بإمكانه اختيار الطرف الفائز مرة أخرى.
وكان فيدان ضابطا في القوات المسلحة قبل الاستقالة للبدء في العمل كأكاديمي. وتشير تقارير إلى أنه قُدم إلى أردوغان من قبل بشير أتالاي، وهو وزير دولة في أول حكومة لحزب العدالة والتنمية، وتولى أيضا منصبي وزير الداخلية ونائب رئيس الوزراء.
ويقول أحمد سيفير، السكرتير الصحافي للرئيس السابق عبدالله غول، إن غول هو الذي اكتشف فيدان.
وبعد تعيينه في وكالة التعاون والتنسيق التركية في عام 2003، منحه أداؤه مكانة خاصة لدى أردوغان. وخلال تلك الفترة، تم استخدام وكالة التعاون والتنسيق التركية للتأثير على السياسة من خلال أحزاب الأقليات التركية في منطقة البلقان، وإنشاء جماعات ضغط مؤيدة لأردوغان في القوقاز وآسيا الوسطى وأفريقيا.
وعرّف فيدان الوكالة بأنها أحد أفرع “القوة الناعمة” لتركيا، وقام بإدارتها كنوع من أنواع المؤسسات الاستخباراتية. وتطور هذا إلى فلسفته في وقت لاحق كرئيس لجهاز الاستخبارات الوطنية.
وحرصا على تقوية فيدان، وقف أردوغان وراء سلسلة من التعديلات القانونية التي حصنت العاملين في جهاز الاستخبارات الوطنية. وفي الوقت نفسه، أمر أردوغان بتسليم أكبر منشأة للمراقبة في البلاد إلى جهاز الاستخبارات.
ومع زيادة القوة المؤسسية لجهاز الاستخبارات الوطنية، زادت ميزانيته أيضا من 410 ملايين دولار في عام 2010 إلى ما يربو على مليار دولار في غضون بضع سنوات. وقد استخدم فرع العمليات الخاصة التابع للجهاز جزءا كبيرا من هذه الأموال نظرا لأنه تولى دورا نشطا في الصراع السوري.
وفي عام 2012، دعا فيدان علنا إلى تركيز جميع عمليات الاستخبارات التركية في مركز واحد. وقال منتقدون إنه كان يحاول تحويل تركيا إلى دولة استخباراتية.
وبعد محاولة الانقلاب عام 2016، أصبح حلم فيدان حقيقة واقعة. فقد استخدم أردوغان سلطات الطوارئ بعد محاولة الانقلاب لإصدار مرسوم يربط جهاز الاستخبارات الوطنية بالرئاسة، وتم تشكيل مجلس تنسيق الاستخبارات الوطنية. ولأول مرة في التاريخ، تم منح جهاز الاستخبارات سلطة جمع المعلومات في الجيش التركي.
وعرف عن فيدان أنه وراء حملة تفكيك ما بات يعرف بالكيان الموازي في تركيا، أي أنصار الداعية المقيم في الولايات المتحدة فتح الله كولن.
ولا يخفي رئيس الاستخبارات رغبته في لعب دور سياسي، والاستقالة من رئاسة الجهاز بعد خمس سنوات من قيادته. لكن خطط فيدان لدخول السياسة عرقلها أردوغان. ففي عام 2015، استفاد فيدان من الاستقالة من جهاز الاستخبارات. وكان أحمد داود أوغلو، الذي تولى للتو منصب رئيس الوزراء كما تولى أردوغان الرئاسة، سعيدا للغاية بوضعه على قوائم الانتخابات البرلمانية في تلك السنة.
لكن أردوغان عارض بشدة هذه الخطوة، قبل أن يعود فيدان إلى رئاسة الجهاز. وأدى ذلك إلى تسارع وتيرة الانقسام بين أردوغان وداود أوغلو. وكان هذا هو السبب وراء تسرع فيدان ليصبح نائبا وخططه بشأن دور وزير الخارجية. فقد تمنى أن يصبح رئيس الوزراء القادم بعد داود أوغلو.
وهكذا اضطر فيدان إلى تأجيل طموحاته السياسية. وهو في طريقه ليقضي أطول فترة في رئاسة جهاز الاستخبارات الوطنية.
ويواجه أردوغان تحديا جديدا يتمثّل بحلفاء قدامى يسعون إلى الانشقاق عن حزب العدالة والتنمية وتأسيس أحزابهم الخاصة.
ويبدو أن الاتحاد المقدس حول الرئيس التركي قد بدأ بالتصدّع، كما تظهر الخطوات غير المسبوقة لرئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو ووزير الاقتصاد السابق علي باباجان، فقد انتقد الاثنان، في الأسابيع الأخيرة، توجهات تركيا تحت إدارة أردوغان.
ولئن قلل أردوغان من أهمية التهديد الذي يشكّله الرجلان، فإن خبراء يرون أنه لن يقف مكتوف اليدين أمام الانشقاقات.
وترى ليسل هينتز من جامعة جون هوبكينز الأميركية أن أردوغان “قد يحارب كل ما يرى فيه تهديدا للهيمنة التي يجسدها”.
ويرى الباحث إيمري أردوغان من جامعة بيلغي في إسطنبول، أن بروز شخصية منشقة عن حزب العدالة والتنمية كخصم جديد قد يكون له أثر “تدميري” لأردوغان في الانتخابات المقبلة المقررة عام 2023.