يبدو أن واشنطن بدأت تعتقد أنها قادرة على تحقيق مصالحها في السعودية بشكل خاص وببقية دول النفط العربية الخليجية بشكل عام حتى لو تجنبت الدفاع عن طريقة حكم العائلة المالكة واستبدادها ضد المواطنين أو ضد عدد من الأفراد في العائلة المالكة أو من يستخدمونه ضد ولي العهد محمد بن سلمان.
لقد صمتت واشنطن ودول الغرب حين أجبرت العائلة المالكة عدداً من أمرائها على التنازل عن بعض أموالهم بعد حبسهم في فندق «ريتز» في السعودية وفرضت عليهم ألا يقدموا أي شكوى وعلى رأسهم الملياردير الوليد بن طلال. وتبين أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب وجد في الأمير محمد بن سلمان الرجل الذي يستطيع تقديم كل أموال السعودية لمصلحة واشنطن على حساب الشعب بل وعلى حساب أموال بقية الأمراء عند الضرورة، ووجد الأمير ابن سلمان بالمقابل أن ترامب لن ينتقده حتى لو اعتقل كل الأمراء وقتل كل من يقف معهم أو يعترض على نظام حكمه. وهذا حقاً ما جرى حتى الإعلان عن فضيحة اختفاء جمال خاشقجي رجل الإعلام السعودي الموالي للعائلة المالكة منذ بداية حياته الإعلامية وترأسه إدارة تحرير صحيفة «الوطن» السعودية، فقد أثارت عملية اختفاء آثاره بعد مروره بالقنصلية السعودية في اسطنبول حملات اتهام لمحمد بن سلمان باعتقاله ثم بتصفيته شنتها وسائل إعلام قطرية اعتادت على التشهير بآل سعود، ووسائل إعلام أخرى وجدت نفسها أمام جريمة خطف يقوم بها النظام السعودي لمعارض بغض النظر عن طبيعة أفكاره الوهابية وولائه لمنافسي محمد بن سلمان على الحكم. والحقيقة أن محمد بن سلمان كان قد اختطف من أوروبا في السنتين الماضيتين ثلاثة من أقارب العائلة المالكة الذين انتقدوا سياسته وهم أنفسهم من الوهابيين المحافظين ونقلهم إلى السجن في الأراضي السعودية.
تكشف مجلة «ساوت تشاينا مورنيننغ بوست» الصينية أمس أن عمليات الخطف للأمراء الذين يشكل أدنى انتقاد منهم للعائلة المالكة كانت تجري منذ عام 2003 وهذا ما جرى حين اختطف الأمير السعودي سلطان بن تركي الذي قرر العيش في جنيف عام 2002 فجاء إليه الأمير عبد العزيز ابن الملك فهد إلى جنيف وفاجأه عند الإفطار طالباً منه العودة إلى الرياض وعندما رفض قيده حرس عبد العزيز بن فهد وحملوه إلى طائرة خاصة بعد تخديره ووجد نفسه في سجن خاص بالرياض حيث قضى سبع سنوات في الإقامة الجبرية إلى أن اشتد عليه المرض فنقلوه إلى بوسطن في الولايات المتحدة للعلاج فتمكن وهو مريض من إرسال شكوى قضائية يتهم فيها عبد العزيز بن فهد باختطافه من جنيف فقدمت الرياض رشوة لسويسرا وأغلق الملف.
في عام 2016 وافق أن تنقله العائلة المالكة من باريس إلى القاهرة لزيارة والده فاصطحب معه فريقه الطبي وحراسته الخاصة لكنه فوجئ بهبوط الطائرة في الرياض ونقله إلى سجن خاص وبقي هناك، وكانت العائلة المالكة نفسها في عهد الملك عبد الله قد اختطفت تركي بن بندر مسؤول الأمن الخاص بأفراد العائلة المالكة حين اختلف على إرث مالي مع أقاربه من الأمراء ثم أفرج عنه عام 2012 ففر إلى باريس وبدأ ينتقد الأمراء لكن محمد بن سلمان تمكن عام 2015 من اختطافه حين كان في رحلة أعمال إلى المغرب وتبين أن السلطات المغربية هي التي سلمته للعائلة المالكة مقابل مبلغ من المال، وفي عام 2014 كان الأمير سعود بن سيف النصر قد انتقد العائلة المالكة في صفحته على تويتر فجرى اختطافه من إيطاليا حيث كان يقيم في عام 2015 بعد أن نشر في «تويتر» دعوة لقادة الجيش السعودي بالقيام بانقلاب على الملك سلمان وبعد ذلك غاب عن النظر نهائياً ولم يعد يظهر أي حديث له في «تويتر» وقيل إنه كان يلعب القمار.
في كل عمليات الخطف هذه وغيرها كانت الدول الغربية وبعض الدول العربية تتواطأ مع العائلة المالكة مقابل أموال تدفعها العائلة المالكة لهذه الدول، وكان من اللافت أن تجري فضيحة اختفاء أو خطف أو تصفية جمال خاشقجي وهو ليس من العائلة المالكة بل من أتباع ولي العهد المخلوع محمد بن نايف وهو من التيار الوهابي الملكي التقليدي نفسه الذي اعتاد على حياة بذخ خاصة رغم دفاعه عن الوهابية المحافظة وهذا ما اعتاد عليه الكثيرون من الأثرياء السعوديين حين يسافرون إلى خارج حدود المملكة.
يصبح كل ما يجري من نزاع داخلي دموي أو غير دموي داخل العائلة المالكة وعلى مستوى الأمراء وأبناء الأمراء، مجرد نزاع على زيادة ثروة هذا الأمير أو محافظة أمير آخر على ما تبقى من ثروته. وهناك من يعتقد أن أشكال هذا النزاع ستتسع وتتنوع بطرق شتى وستبقى الدول الغربية تحصل على رشى مالية مقابل تسليم كل من يخالف النظام الملكي الذي يرأسه الآن محمد بن سلمان ووالده، ومن المتوقع أن تنتهي فضيحة اختفاء خاشقجي على المنوال نفسه!
تحسين الحلبي – الوطن السورية
Discussion about this post