ناصر قنديل
– في الظاهر تبدو الأحداث الجارية شمال سورية مأزقاً كردياً خالصاً، ويبدو الرئيس التركي رجب أردوغان وقد ربح رهانه بالانسحاب الأميركي وفتح الطريق لعمليته العسكرية. بينما في الواقع، مأزق الأكراد الحقيقي لا يحجب مأزق تركيا ورئيسها. فالمنطقة التي ستشكل مسرح معركة متعددة الأطراف في شمال شرق سورية، تختزن مجموعة من العناوين، أولها النفط وثانيها بقايا داعش وثالثها التعدّد العرقي وأهمها هويتها السورية. وإذا كان من الطبيعي أن يواجه الأكراد مأزق رهانهم الخاسر على الأميركي، وعجزهم عن مواجهة الغزو التركي منفردين، فإن الأتراك سيواجهون أسئلة لا يستطيعون تحاشي ما سيترتّب على كل جواب حولها: فهل سيستبدلون كانتوناً كردياً بكانتون لجماعات مسلحة يديرونها على طريقة جماعة أنطون لحد في جنوب لبنان قبل تحريره؟ وهل سيستبدلون نهب القيادات الكردية للنفط السوري بنهبهم هم وجماعاتهم لهذا النفط؟ وهل سيستطيعون هم وجماعاتهم حل مشكلة تفلت جماعات داعش الذين سيلجأ قادة الأكراد إلى إطلاقهم وابتزاز العالم الذي باعهم بجعله يواجه خطر اسمه عودة داعش، ولداعش مع تركيا تاريخ معلوم، كتاريخ تركيا وجبهة النصرة الذي لا يزال يلاحقها ويستنزف مكانتها ومهابتها ودورها في إدلب.
– هذه الأسئلة التي تلقتها القيادة التركية من القيادة الروسية والقيادة الإيرانية والقيادات الأوروبية، تضعها بين خيارين لا ثالث لهما، العودة إلى ما كان عليه حال الدور التركي قبل معركة حلب، كقوة تخريب وتقسيم واحتضان للإرهاب. وهذا سيعني شيئاً واحداً تمكين الجيش السوري وحليفيه الروسي والإيراني من خوض المواجهة معه في ظروف أفضل لهم، بعدما كسب الجيش السوري المزيد والمزيد من القوة والجغرافيا، وكان الحريّ بتركيا لو شاءت هذا الخيار أن تمضي في مواجهة حلب وتتورّط بجيشها في خوضها، لأن عنوان الأمن التركي تجاه الحدود السورية له جواب موحّد بين دمشق وموسكو وطهران، هو التفاهم مع الدولة السورية عبر وضع اتفاقية أضنة قيد التطبيق، وليس احتلال أجزاء من سورية وإدارتها تحت عنوان مموّه من سوريين عملاء لتركيا، لسرقة النفط ورعاية داعش واستخدامها. أما الخيار الثاني فهو الاكتفاء بعملية استعراضية على القشرة الحدودية توجّه رسائل قوية للقيادات الكردية وتمهّد لقبولهم شروط دمشق بالتسليم للدولة السورية. وعندها يكون الدور الروسي الإيراني في رعاية تفاهمات مثلثة بين دمشق وكل من القيادات الكردية وتركيا، على قاعدة احترام وحدة سورية وسيادتها.
– تاريخ الأداء التركي في سورية يسمح بإعطاء الأولوية للتذاكي التركي واستسهال اللعب على الحبال. وهذا سيعني الدخول في مرحلة من الفوضى العسكرية شمال شرق سورية لن ينجح الجيش التركي وعملاؤه في حسمها، ولو اقتضى الأمر دعماً تقدمه دمشق لمن يقاوم الغزو التركي بمعزل عن هويته السياسية ومواقفه السابقة، وحرب استنزاف طويلة يواجهها الجيش التركي، كما سيعني عودة داعش للتحرّك بما يحمّل الأتراك مسؤولية التعاون مع الإرهاب. وسيعني ذلك تغييراً في خريطة طريق العمل في منطقة إدلب، وسيعني ذلك تعريض العلاقات التركية بروسيا وإيران للاهتزاز، وهي تحت ضغوط اميركية أوروبية، لذلك كله تبدو دمشق وطهران وموسكو في حال ترقب وعدم تسرع، والاستعداد لكل الاحتمالات، من موقع القدرة على التحكم بالمسارات، التي سيصبح الجميع فيها تحت ضغوط الخيارات الصعبة، وسيبقى فيها زمام المبادرة بيد التحالف السوري الروسي الإيراني.
ناصر قنديل