عبد الباري عطوان
أن يذهب الرئيس السوريّ بشار الأسد بنفسه إلى طهران لتقديم التّهاني إلى المرشد الأعلى السيد علي خامنئي بمُناسبة الذكرى الأربعين للثورة الإيرانيّة، التي وصفها بأنّها تُشكُل نموذجًا يُحتذى على مدى العُقود الأربعة الماضية في بناء الدولة القويّة القادرة على تحقيق مصالح شعبها و”المُحصّنة” ضد التدخّلات الخارجيّة فهذه خطوة تعكِس تطوّرًا استراتيجيًّا غير مسبوق للأسباب التالية:
أوّلًا: هذه هي المرة الأولى التي يُغادر فيها الرئيس الأسد دمشق إلى عاصمة أخرى غير موسكو، منذ بدء الأزمة السوريّة قبل ثماني سنوات، الأمر الذي يعكس حالةً من الثقة، والإجراءات الأمنيّة الدقيقة، وتعافي سورية على أكثر من صعيد.
ثانيًا: اختيار الرئيس الأسد طِهران لكي تكون وجهته الأولى يأتي تجسيدًا لعُمق العلاقات الاستراتيجيّة بين البلدين، ووقوفهما في خندقٍ واحدٍ في مواجهة الإرهاب والمشروع الغربيّ الأمريكيّ في المنطقة، حسب ما جاء على لسان المُرشد الأعلى، وتوجيه رسالة لأمريكا وإسرائيل بأنّ القوّات الإيرانيّة باقية في سورية.
ثالثًا: من المُؤكّد أن هذه الزيارة لم تكن بهدف التهنئة فقط على أهميّتها، وإنّما للتنسيق حول كيفيّة التعاطي مع التهديدات الإسرائيليّة الأمريكيّة التي تستهدف البلدين ووضع استراتيجيّة لمُواجهتها.
رابعًا: الرّد “عمليًّا” على كُل الادعاءات التي راجت في بعض وسائل الإعلام التي تقف في الخندق الآخر ضد سورية، وتقول أنّ الرئيس الأسد “مُحاصر” في قصره، ولا يستطيع مُغادرته إلى أيّ جهة أخرى غير موسكو، وبترتيباتٍ أمنيّةٍ روسيّة.
***
كان لافتًا أن الرئيس الأسد التقى أيضًا أثناء هذه الزيارة الخاطفة الرئيس الإيراني حسن روحاني، حيث وضعه الأخير في صورة قمّة سوتشي الثلاثيّة الروسيّة الإيرانيّة التركيُة، وهي القمّة التي تُعتبر الأكثر أهميّةً من بين نظيراتها الثّلاث السابقة لأنّها، ومن خلال قراءة التطورات التي حدثت بعدها، وخاصة الهجوم الشرس وغير المسبوق الذي شنّه الرئيس الأسد على نظيره التركي رجب طيب أردوغان، فمن الواضح أن هناك خلافات حول المنطقة الآمنة المُقترحة في شمال سورية، وكذلك مستقبل إدلب، والدويلة التي تسعى أمريكا لإقامتها شرق الفرات، فروسيا اقترحت قيامها بدوريات لحفظ الأمن في المنطقة الآمنة لمِلء أيُ فراغ نتيجة الانسحاب الأمريكي كحل وسط، بعد تراجع تركيا عن قبول “اتفاق أضنة” السوري التركي، وإصرارها على أن تكون هذه المنطقة تحت إشرافها وحدها.
أن يسمع الرئيس الأسد من نظيره الإيراني مباشرة ووجهًا لوجه، عمّا جرى في قمة سوتشي أمر مختلف كُليًّا عن تلقّيه رسائل يحملها مبعوثون، سواء مكتوبة كانت أو شفهيّة، ولهذا يُمكن تصنيف اللّقاء بين الرئيسين في خانة الأهميّة القُصوى.
نُقطة أُخرى لا يُمكن القفز عنها في هذه العجالة، وهي التصريحات التي أدلى بها الجنرال علي شمخاني، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، لوكالة “تسنيم” وكشف فيها “أن الرد السوري الإيراني على الضربات الإسرائيليّة سيكون مُختلفًا في المرّات المُقبلة، وأكّد أنّ محور المُقاومة حقّق أكثر من 90 بالمئة من أهدافه في سورية.
هذه التّصريحات تزامنت مع كشف إيران عن غواصة متوسطة الحجم انضمّت إلى سلاحها البحري، وقادرة على إطلاق صواريخ باليستيُة، وكذلك استعراض صاروخ جديد يبلُغ مداه 1300كم مزوّد برؤوس ذكيّة، وإجراء مُناورات بحريّة في مضيق هرمز وبحر عُمان والمُحيط الهندي لمُدّة ثلاثة أيّام.
***
لا نعرِف كيف طار الرئيس الأسد إلى طهران، مثلما لا نعرف تركيبة الوفد المُرافق له، وكذلك مسار الطائرة التي أقلُته، وهل كانت عسكريّة أو مدنيّة، ولكن ما نعرفه أنّه عاد إلى دمشق دون أي عوائق، فقد جرت العادة أن يتم الكشف عن هذه الزيارات بعد إتمامها، وعودة الرئيس السوري إلى عاصمته سالمًا، مثلما كان عليه الحال في كل زياراته السابقة، وربّما اللاحقة لموسكو أيضًا، فالأجواء السوريّة مُزدحمة بالطائرات الحربيّة الأمريكيّة والغربيّة، علاوةً على العشرات من أقمار التجسس التي يُقال إنها ترصُد دبيب النّمل على الأرض، والاحتياطات الأمنيّة في هذه الحالة تبدو حتميّةً.
خِتامًا نقول إنّ هذه الزيارة الخاطفة التي قيل إنّها كانت زيارة عمل ليوم واحد، تعكِس تسارع التّعافي السوري سياسيًّا وعسكريًّا، وربّما تُمهّد لزيارات أُخرى إلى عواصم عربيّة ودوليّة أُخرى في المُستقبل القريب، فهل ستكون تونس لحُضور القمّة العربيّة الشّهر المُقبل؟ الاحتِمال ضعيف لأنّ الرئيس الأسد ينتظر زيارة الآخرين له قبل أن يذهب إليهم.. واللهُ أعلم.
Discussion about this post