تُلقي العنصرية الثقافية اللوم على الأقليات نتيجة تعرضهم لعدم المساواة بين الناس، من خلال الإشارة إلى أن وضعهم الاجتماعي المتدني سببه قلة الجهود المبذولة أو الفشل في التكيف مع أسلوب الحياة الغربي، في حين أن الحقيقة تتمحور حول الجاني الحقيقي “العنصرية النشطة والمؤسسية”.
لقد مر 35 عاماً منذ أن هاجر الإثيوبيون إلى “إسرائيل”، تاركين مجتمعاتهم القوية المتماسكة التي أبقت على التقاليد اليهودية على قيد الحياة طيلة تلك السنوات، ليكونوا بعد ما يقرب أربعة عقود من الزمان جزء من مجتمع يكافح لنيل المساواة في البيئة التي يفشل فيها الكثيرون في النظر إلى ما هو أبعد من لون بشرتهم وملابسهم التقليدية.
كان السواد الأعظم من الجالية اليهودية في أثيوبيا يعيش في قرى زراعية تقليدية قبل أن تهاجر إلى “إسرائيل”، وحتى عام 1980، كان نحو 250 يهودياً فقط قد غادروا أثيوبيا إلى الوجهة الجديدة. وقد قام معظم اليهود الإثيوبيين بزيارتهم إلى الأراضي المحتلة في الثمانينيات، بعد رحلة طويلة وخطيرة على الأقدام إلى السودان، تكبدوا خلالها العديد من الخسائر أثناء وضعهم في مخيمات اللاجئين لانتظار الحصول على إذن الكيان ليتم نقلهم بشكل سري جواً من قبل القوات الجوية الصهيونية والموساد.
ولكن على الرغم من السياسة الصهيونية الراسخة المتمثلة في تشجيع اليهود على الهجرة من مختلف أنحاء العالم، فإن معاملة الاحتلال الإسرائيلي للمهاجرين الإثيوبيين الجدد تركت العديد من الناس يشعرون بخيبة الأمل.
في بحثي، قمت بتحليل عملية الاستيعاب هذه. بدءًا من وصول الجالية اليهودية الإثيوبية، وضع المسؤولون الإسرائيليون خططا مدروسة بعناية لإدماجهم في المجتمع الإسرائيلي، وكان الهدف من ذلك هو تجنب أخطاء الماضي التي وقعت بوصول ‘يهود مزراحيم‘ قبل عقود، لكن مرة أخرى وعلى الرغم من النوايا الحسنة إن صح التعبير، وجدت العنصرية طريقها للتأثير في العملية والتبعات.
وصفت الأستاذة إستير هيرتزوغ في كتابها “البيروقراطية والمهاجرين الإثيوبيين“، كيف كانت المؤسسات الإسرائيلية منذ اليوم الاول تنظر إلى المجتمع اليهودي الإثيوبي باعتباره مجتمعاً يتطلب مساعدة خاصة في عملية الدمج. وقد اعتبرت المؤسسات الإثيوبيين إشكالية بشكل خاص، ما يتطلب معاملة خاصة لهم قبل أن يتمكنوا من اتخاذ خطواتهم الأولى في المجتمع. وعلاوة على ذلك، وجدت السلطات أن المهاجرين الجدد يفتقرون إلى المهارات الأساسية، مثل رعاية الوالدين لأبنائهم، الأمر الذي يعني أن أغلب أطفالهم قد تم ارسالهم إلى مدارس داخلية دون أن يؤخذ رأي والديهم بشأن هذه المسألة.
وكانت هذه الممارسات مبرره استناداً إلى ما يطلق عليه الباحثون “العنصرية الثقافية” التي تفترض أن الثقافة لا البيولوجيا، تدعم التفسيرات العقلانية لتسويغ عدم المساواة. وهذا النوع من العنصرية يلوم الأقليات على معاناتهم من خلال التلميح إلى وضعهم الاجتماعي المتدني كنتيجة لجهدهم غير الكافي أو فشلهم في التكيف مع طريقه الحياة الغربية.
وسرعان ما تم إضفاء الطابع المؤسسي على العنصرية الثقافية الإسرائيلية!
كتب إدواردو بونيلا سيلفا، وهو باحث بارز ورئيس سابق للجمعية الأميركية لعلم الاجتماع، أن العنصرية المؤسسية ــ التي تديم سيادة مجموعة الأغلبية على مجموعة الأقلية ــ يسهل التعرف عليها بمجرد مراقبة البنية الاجتماعية في مجتمع معين وتكشف البيانات عما لا يمكن تفسيره إلا على أنه عنصرية فعّالة من جانب المؤسسات الإسرائيلية ضد يهود إثيوبيا.
في نظام العدالة الجنائية وحده، فإن احتمال توجيه الاتهام إلى الإسرائيليين الإثيوبيين أو سجنهم أكبر بكثير من احتمال توجيه الاتهام إلى عامة السكان. ولا يشكل الإسرائيليون الإثيوبيون سوى 2% من المواطنين الإسرائيليين، ولكن في عام 2018، كان 18% من جميع القاصرين المسجونين في البلاد من أصول إثيوبية، وكان احتمال أن يجدوا أنفسهم في حالة اتهام أكثر بثلاث مرات من عامة السكان. في عام 2016، كان احتمال توجيه الاتهام إلى البالغين الإسرائيليين الإثيوبيين ضعف احتمال توجيه الاتهام إليهم من العوام، عدا عن أنهم أفقر المجموعات الاسرائيلية، حيث يحتلون أدنى مستويات الدخل.
وعلاوة على ذلك، نشرت لجنة تكافؤ فرص العمل في الإسرائيلية والمكتب المركزي للإحصاءات، وجامعة تل أبيب مؤخراً دراسة تشير إلى نمط صارخ من التفرقة العرقية في سوق العمل والتوظيف. ويكاد يكون الإسرائيليين الإثيوبيين الحاصلين على درجات أكاديمية غائبون بشكل كامل في مجالات مثل النشر والإنتاج والإذاعة والتلفزيون والهندسة المعمارية وصناعة السيارات.
من ناحية أخرى، فيما يقرب من نصف القطاعات التي يعمل فيها الإسرائيليون الإثيوبيون الحاصلون على درجات أكاديمية، فإنهم يشكلون تمثيلًا ناقصًا إلى حد كبير، عدا عن أن هذه القطاعات تشمل الخدمات والمبيعات والغذاء فقط حيث الأجور عادة منخفضة جدا، وحتى ذلك الحين لا يتجاوز متوسط راتبهم 75% من راتب اليهود الآخرين الحاصلين أيضًا درجة أكاديمية؛ مما يعني أن الحصول على درجة جامعية لا يساعد بالضرورة على دمج الاثيوبيين وظيفيًا ومعيشيًا. والتفسير المرجح في الأغلب لهذا التفاوت هو التمييز العنصري في ممارسات التوظيف.
يقول الباحثون في هذا الشأن أن الأقليات ينبغي عليها أن تصمد وأن تكافح من أجل حقوقها من أجل إحداث التغيير الاجتماعي وحتى تؤمن الأغلبية بتجربة الأقلية من العنصرية والتمييز وتتعاطف معها. وهذا يعني أن الإسرائيليين المخضرمين لابدّ وأن يفتحوا أعينهم وآذانهم حتى يتسنى لهم أن يفهموا كيفية الحفاظ على نقاط القوة في مجتمعهم على أساس العرق.
إننا جميعًا نعزز درجات متفاوتة من المواقف العنصرية ضد مختلف الجماعات، ويكمن الاختلاف في إدراكنا لهذه المواقف وفي كيفية التعبير عنها أو تبريرها، لكن بمجرد أن نعي يجب أن نسأل أنفسنا:
هل نحن على استعدادٍ للتنازلِ عن بعض الامتيازات وملامح الحياة المرفّهة من أجل بناء مجتمع أخلاقي ومنصف؟