لو يدري القادة العرب أي نوع من الخرائط كانت على الطاولة حين اندلعت الأزمة، الأزمة المبرمجة، في سورية، شظايا جغرافية وسياسية. لكأننا أمام دوقيات القرن الثامن عشر!
لعلهم يدرون، ثم يقفلون عيونهم، آذانهم، بالحجارة. أحدهم اشتكى من أن دونالد ترامب، بسكين تاجر البندقية شايلوك بلغ به الابتزاز والازدراء، حد القول له: «إذا خرجت من البيت الأبيض لسوف تخرج أنت من قصرك. لا تخش، فقد يحتاجون إليك في متحف الشمع».
جون برينان، المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية، والذي منع من كتابة مذكراته، ولو برؤوس أصابعه، تحدث لصديق مصري، وهو دبلوماسي سابق يعمل في إحدى الجامعات الأميركية، عن الانزلاق الغبي في المتاهة السورية.
أحصنة اللوبي اليهودي داخل الاستبلشمانت، لجؤوا إلى بعض النصوص التوراتية لبدء دومينو التفجير من سورية. لطالما بشرت مقالات دنيس روس بقهرمانات الهيكل!
السوريون قلبوا المشهد رأساً على عقب. كبار القادة العسكريين والاستخباراتيين، في العديد من الدول الغربية والإقليمية وضعوا الخطط. في أحيان كثيرة نزلوا إلى الأرض. ما كانت النتيجة؟
برينان اعتبر أن تكلفة الحرب في سورية تعدت تكلفة الحرب في فيتنام، وحيث كان السقوط المدوي للإمبراطورية بعد سنوات من «مراقصة الوحول»، كما قال والت روستو، مستشار الأمن القومي في عهد لندون جونسون، ما حمل السناتور وليم فولبرايت على سؤاله عبر «النيويورك تايمز»: ألم تكن أحد صانعي تلك المقبرة؟
الحرب في سورية، هكذا، «مراقصة الوحول» بعدما راحت حلقات السيناريو تتفكك، الواحدة تلو الأخرى، بضربات الجيش السوري، والحلفاء الذين يدركون ما هي سورية، وما دورها في المسار التاريخي، وفي المسار الإستراتيجي، للشرق الأوسط.
السيناتور جون ماكين ألمح، قبل رحيله في آب 2018، إلى «أننا وضعنا أقدامنا في المكان الخطأ». دمشق لم تكن يوماً رهينة، أو محظية، أميركية. الدبلوماسي العتيق جورج بول قال: إن كراهية هنري كيسنجر للرئيس الراحل حافظ الأسد فاقت التصور. في قصر المهاجرين لاحظ أن ثمة رجلاً يعرف كيف يحوله، في لحظة ما، إلى دجاجة!
الآن، والجيش السوري يحرر ما تبقى من الأرض، المعلقون الإسرائيليون يثيرون التساؤلات حول كيفية التعامل مع «القدرات الميدانية والسيكولوجية» للجندي السوري.
بنيامين نتنياهو الذي كان يخال أنه على بعد خطوات من أبواب دمشق، يرى أن إسرائيل قد تكون أمام مهمة شاقة إذا ما انفجر الصراع مع سورية.
من هنا كان الحصار. الذين يخططون لقتل السوريين بالرغيف بعدما عجزوا عن قتلهم بالقنبلة. السوريون يدركون ذلك. على الرغم من المعاناة اليومية الناتجة عن التداعيات المعقدة لسنوات الحرب، الناتجة أيضاً عن العقوبات البعيدة عن أي منطق سياسي أو أخلاقي، لنقرأ ما يكتبه معلقون اقتصاديون غربيون عن ديناميكية التكيف لدى السوريين مع أكثر الظروف صعوبة.
ما دامت سورية لن تتفكك، ما من دولة عربية ستتفكك، هذا رهاننا. المنطقة في حال الغليان. كبار المخططين في واشنطن يتوقعون «أياماً مريرة» في الشرق الأوسط. الكلام يزداد حول الرحيل.
هنا دور اللوبي اليهودي الذي مسح الغبار عن «صفقة القرن» باعتبارها توفر الأمن الإستراتيجي لإسرائيل على مدار القرن، هو ذا مشروع دونالد ترامب للسلام. كيف تضع إسرائيل يدها على العرب كوسيلة مثالية لحمايتها من الاحتمالات.
زعزعة المشهد الإقليمي بالتواطؤ مع جهات عربية لا تستطيع إلا الامتثال للسيد الأميركي. ولكن ألا يتحدث روبرت كاغان عن «الوعي المضاد» في المنطقة؟ حذراً من الرياح الصفراء التي تهب، بين ليلة وضحاها، على الإمبراطورية!
نبيه البرجي