هل الصحافة الإلكترونية جاهزة للسيطرة وكسب المعركة؟ الإجابة عن هذا غير صحيحة، حيث تعتمد تلك الصحف الإلكترونية على أطقم عمل صغيرة وحجم موازنات قليلة، بالمقارنة بالمؤسسات الصحفية التي هي منبع الإعلاميين، ومدرسة الصحفيين المتسيدين للمشهد الإعلامي، وإذا كانت الصحف الورقية تعاني شح المورد من الإعلانات، فإن العدد المهول من تلك المنصات الرقمية لم يجنِ أرباحا سوى العدد القليل، وقد اضطر عدد لا بأس به إلى التوقف والإغلاق بسبب الخسائر المتلاحقة..jpg)
وما زال الصراع محتدما، والنقاشات مستعرة، هل ستمحو الصحافة الإلكترونية الصحف الورقية؟ البعض يعدد الصحف التي سقطت، والمطبوعات التي أغلقت خلال معركة الصراع على البقاء، والبعض الآخر يعدد فتوحات الرقمي، منحازا للغة العصر وأدواته، والبعض من المختصين وخبراء الإعلام رصدوا التجربة وعايشوا تطورها بشكل أكثر منهجية، وكانت الإجابة على السؤال المحير، لمن الغلبة اليوم الورقية أم الإلكترونية؟
لم يثبت في تاريخ تطور وسائل الإعلام أن استطاعت وسيلة إعلامية جديدة أن تمحو ما قبلها، فلم يتغلب المذياع (الراديو) على الصحافة، ولم يُنهِ التلفزيون عالم المذياع (الراديو)، الجميع الآن شركاء في وصول الرسالة الإعلامية إلى المتلقي، والدور الآن على الصحافة الرقمية، والجميع فقط متفرجون حول حلبة الصراع في انتظار الحسم، ولا بد أن نفرق هنا بين المواقع الإخبارية والمدونات الشخصية، وبين الصحف الإلكترونية التي نشأت من كنف الصحف الورقية التقليدية، لكن القائمين عليها ارتأوا ضررورة مجاراة العصر، وبث نسخة إلكترونية لها نفس الاتجاه والسياسة التحريرية، وتدار بنفس ضوابط الصحافة الورقية، لكنها ما هي سوى مجرد إكسسوارات للنسخة الورقية دون أية رؤية استراتيجية.
ونظرا للكم الهائل الذي تخطى الملايين من مواقع الإنترنت، هل يتوفر فعلا الجانب المهني والحرفي؟ والالتزام بالقوالب الصحفية، من حوار وتحقيق ومقال رأي؟ هل يتم إنتاج مواد تتعلق بالتغطية الميدانية؟ هل يتوافر الجانب الاحترافي والتفرغ والخبرة والمهنية والالتزام القانوني في العاملين بالمواقع الإخبارية؟.jpg)
إذا كانت تلك المواقع استطاعت أن تكسب معركة السرعة أمام الصحف الورقية، فإنها قد خسرت معركة المصداقية، وهنا مربط الفرس، باستثناء بعض المواقع الإخبارية الجيدة. وفي غمار سبق السرعة وبدون التحقق والتأكد من مصدر الخبر والمعلومة، يتم نشر الأخبار الملونة والمعلومات الكاذبة والدعايات المغرضة ليتم النشر على نطاق واسع، لتعم الفوضى الإعلامية بين جمهور المتلقين.
لا قاعدة حتى الآن ترجح كفة الصحف الإلكترونية، فما زالت الصحافة الورقية متفوقة ومزدهرة في أوروبا وأميركل، وتشهد نموا كبيرا في الدنمارك، وإذا كان موقع نيويورك تايمز الرقمي، يعد من أكثر المواقع جنيا للأرباح، فلديه 600 ألف مشترك للدخول إلى موقعها الإلكتروني، بسبب تقديمه لمحتوى مختلف ومميز، عن طريق الانفوجراف والفيديو والرسوم والنصوص، وتوظيف كل إمكانيات التكنولوجيا، وتقديم خدمات مثل حالة الطقس والأسهم وحجوزات الفنادق والطيران والسوق الإلكتروني للبيع والشراء، ((يعني مصروف عليه وليس مجرد واجهة، أو ارتزاق أو بغية شهرة أو تهريج)).
لكن ـ وكما يؤكد خبراء الميديا ـ فظهور الصحافة الإلكترونية يعد عاملا مهما في تطور الصحف الورقية وزيادة انتشارها واستمرار بقائها، وقد يدفع ذلك لتطور أفضل، على مستوى الإخراج أو المضامين التي توجه إلى الرأي العام، كما أن خصوصيات الصحافة الورقية لا يمكن أن تجدها عبر النسخة الإلكترونية.
من غير الممكن أن تتحول الصحافة الورقية إلى إلكترونية بشكل كامل، لكن المؤكد أن الصحف الورقية باقية وستظل، إنها تتفوق على سرعة البث الرقمي بالمصداقية، وما زالت الصحف الورقية المسيطرة على سوق الإعلانات، لكن تراجع النشر الإعلاني ليس بسبب تراجع أهمية النشر الورقي، بل تعود إلى الأزمة الاقتصادية العالمية، والتي تركت أثرا كبيرا على المدخول الإعلاني.
ومن المبشر للصحف الورقية في العالم العربي، أنها مرتبطة دائما بالحكومات والأنظمة باعتبارها المتحدث الرسمي باسمها، وهي الأداة التي توثق فيها قراراتها وتوجهاتها، مما سيتحتم على الحكومات مساعدتها للخروج من عثرتها، ولكن هذا لا يمنع التطوير والتحديث لمواكبة مفردات العصر، وعليها تنويع أنشطتها الإعلامية، بالدخول في مجالات الراديو والتلفزيون والمطبوعات المتخصصة، وإعداد المؤتمرات، معتمدة على نجاح الاسم التجاري للمطبوعة وانتشاره عند المستهلك، ومن خلال طواقم متخصصة وإداراتها المستقلة من التحرير والتسويق، قد تدر هذه المواقع أرباحا على مالكها، لا تقل أهمية عن النشر التقليدي.
إن تطوير المحتوى في الصحف الورقية هو التحدي الحقيقي، فلا بد من توافق المادة التحريرية مع الأخبار المحلية، والخدمية التي تهتم بالتفاصيل التي تخدم المواطنين اليومية، وتغيير المحتوى يعني تطوير القوالب الصحفية التي تعتمد على الرأي والمقال والتحليل والصحافة الاستقصائية، أو ابتكار مضامين جديدة تكون بمثابة مواد تفاعلية ومشاركية لجمهور القراء، إضافة إلى البحث عن المعلومة السريعة والملخصة بعيدا عن الحشو والتعبئة بالغث والتافهة، ومحاولة إيجاد لغة مشتركة بين الصحيفة وقرائها الشباب الذين يمثلون العصب الرئيسي لانتشار وسائل الإعلام الإلكتروني، والتحدث بلغتهم، وتفهم همومهم، إن استمرار الصحافة الورقية مرهون بالإسراع في تطوير المحتوى وتطويعه لاحتياجات القارئ العربي الجديد.











Discussion about this post