في زحمة الحراك الدولي والاقليمي حول سوريا، وزيارات حبلى ببداية تبدلات دراماتيكية، ان اكتملت، ستشكل مشهد جديد في المنطقة انطلاقا من سوريا، زيارة وزير الخارجية السوري فيصل المقداد الى عُمان، ابعد من رحلة طيران حملت وزير الدبلوماسية السوري، وانما اجواء من العمل الدبلوماسي تؤكد ان دمشق هي حجر الرحى في اي حراك وهزيمة للمشروع الامريكي، بعد سنوات عجاف.
زيارة المقداد الى مسقط، وصفت بالايجابية والدقيقة، التقى فيها المقداد على مدى ثلاثة أيام بشخصيات رفيعة في عمان في مقدمتهم أسعد بن طارق نائب رئيس الوزراء العماني والممثل الخاص للسلطان هيثم بن طارق، ووزير الخارجية بدر بن حمد البوسعيدي إضافة إلى وزير المكتب السلطاني سلطان النعماني.
النوافذ العمانية التي اراد رأس هرم الدبلوماسية السورية، الاطلالة منها على دروب كثيرة، تبشر ببوادر انفتاح من دول الخليج الفارسي باتجاه سوريا، والتي تزايدت في الآونة الأخيرة، حيث شهد الشهر الحالي حراك سياسي يوصف بأنه الاكبر منذ بداية الحرب المفروضة على سوريا، بدأت بزيارة سرغي لافروف وزير الخارجية الروسي الى دول الخليج الفارسي بين 10 -12 من اذار الجاري، ووصفت تلك الزيارة بالناجحة، بعد اجتماعاته المطولة مع وزراء خارجية بعض الدول، وبعد ذلك بحدود اسبوع عقد اجتماع لما يعرف بمجلس التعاون الخليجي، والذي كانت لسوريا الحصة الكبرى في بيانه الختامي، حيث تبنى هذا المجلس ببيانه الختامي بيان جنيف 2012 والقرار الدولي 2254بعد التراجع والتركيز في بيانهم الختامي، بالرغم من ان بيان جنيف يحمل اشكاليات كثيرة، ما دفع المراقبين الى التقدير ان اعادته للتدوال بهذه الطريقة، هي محاولة خليجية لخلط الاوراق من جديد، ومن المفيد ذكره ان اذار ايضا حمل زيارة وفد من حزب الله الى موسكو، تلاها زيارة غابي اشكنازي ما يسمى بوزير خارجية الكيان الاسرائيلي الى العاصمة الروسية، لم يصلنا الكثير من نتائج تلك الزيارتين، الا ان المتوقع منها هو الوضع السوري، ليخرج علينا بعد ذلك، غير بيدرسون المبعوث الاممي، ويطرح جمع مسار استانا مع المجموعة المصغرة في بوتقة واحدة، اي جمع روسيا وتركيا وايران كضامني لاستانا، مع الولايات المتحدة الامريكية وفرنسا وبريطانيا والمانيا والاردن ومصر، كأعضاء فيما يعرف بالمجموعة المصغرة، وهذا الامر الذي اثار جدلا كبيرا في الاوساط السياسية الدولية والاقليمية، واعتبره الكثير ” شطحة خيال” من بيدرسون، بعيدة كل البعد عن الواقع السياسي في المنطقة والاقليم، ونسي بيدرسون ان دول هذه المجموعة تتباين في مواقفها اصلا من طبيعة الحل السياسي في سوريا، في الوقت ان الجميع ينتظر مقررات مؤتمر بروكسل بنسخته الخامسة، والمقرر عقده في نهاية شهر اذار الجاري، والذي سيكون لسوريا حضور في مناقشاته. في ظل كل ذلك الحراك وعمقه، تأتي زيارة الدكتور المقداد الى مسقط، كون عُمان الاكثر تواصلاً خليجياً مع الجانب السوري خلال فترات الحرب المفروضة على البلاد، وهي مرشحة لتلعب دوراً في التقريب ما بين الدول العربية، لاحتفاظها بعلاقات جيدة مع جميع الاطراف الفاعلة العربية والاقليمية والدولية على حد سواء، وهو ما يؤهلها للعب دور ايجابي في هذه المرحلة.
هذا الدور العماني قد لا يقتصر على الاطار العربي والاقليمي، بل قد يتعداهما الى البعد الدولي، فالسلطنة سبق لها ان لعبت دور ناقل الرسائل بين الولايات المتحدة والجمهورية الاسلامية الايرانية، ودورها في نقل الرسائل مجدداً قد لا يكون مستبعداً اليوم، فمن الواضح ان هناك ضرورة لدى جميع الاطراف تدفع نحو الوصول الى فض اشتباك جزئي او مرحلي ان لم يكن كلياً، وادارة بايدن قد ارسلت بعض الاشارات الايجابية، وان كانت على مستوى التصريحات فقط لحد الآن، ومن هذه الاشارات ان حراسة آبار النفط السورية في المناطق الشمالية الشرقية، ليست ضمن اختصاص قواتها، كما اعادت بعض التسريبات المنسوبة الى مصادر في البيت الابيض الحديث عن ان الادارة تجري مراجعة لوجود قواتها في سورية، وما يزيد من تعقيد المشهد ايضا هو التصعيد الامريكي الروسي، واصرار الادارة الامريكية على افراغ مسار استانا من فعاليته، وتعنت تركيا واعلانها في اكثر من مرحلة، انها ترى الحل في سورية على اساس جنيف، في الوقت الذي يسعى فيه الروسي والايراني لاختراق جبهة الاتحاد الاوربي لانهاء الحصار الاقتصادي على سوريا، ومما لا شك فيه ان المسافة بين تصريحات جميع الاطراف والفعل كبيرة، ولكن مما لا شك فيه ايضاً ان الولايات المتحدة باتت تستشعر لا جدوى وجود قواتها على الاراضي السورية، فضلاً عن بعض المآزق الاخرى كحرب اليمن والاتفاق النووي الايراني، كل ذلك يجعل الامريكي في وضع قد يطلب، او على الاقل قد يتجاوب، مع مقترحات او مساعٍ قد تأتي من طرف ثالث، وتهدف الى تنظيم شكل من اشكال فض الاشتباك، او أقله ادارة الخلافات بصورة تصنع صمام امان يحد من احتمالات التصعيد.
في جميع الاحوال الجيع يعرف الموقف السوري القائم اصلا، على جملة من الثوابت المؤكدة المتعلقة بالسيادة ووحدة الاراضي السورية، ومحاربة الارهاب وثبات منظومة تحالفاتها الاقليمية، وعلى هذه الارضية فإن السوريين عبروا مراراً عن استعدادهم للتعامل بإيجابية مع اي مساعٍ او مقترحات، من هنا ينطلق الحراك الدبلوماسي السوري، الذي يعي تماما محاولة الغرب تعطيل المسار السياسي، وفتح نوافذ في اتجاهات عديدة، لتأطير ريح التغير القادم، على مقاس شراع السفينة السورية، التي بدأت تبحر بثبات اكثر.
* حسام زيدان