رغم تحذيرات وتوقعات الكثيرين بأن ينعكس الصراع الروسي الأميركي في أوكرانيا على باقي الساحات في المنطقة، من سورية إلى العراق واليمن، إلا أنه وحتى الآن، ظلت الساحات الميدانية العسكرية الساخنة في المنطقة، بمنأى عن أي ارتداد ثانوي لما يحدث في أوكرانيا، رغم اقتراب العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا من إكمال شهرها الأول.
وإن سيطر الهدوء على ساحات المنطقة الساخنة، وظلت بعيدة عن نار الحرب الأوكرانية، إلا أن ثمة مؤشرات، ظهرت مؤخراً في الساحة السورية، تشي بعدم ثبات الهدوء على حاله، وبأن عجز الولايات المتحدة الأميركية من الدخول مباشرة في مواجهة روسيا في أوكرانيا، لن يجعلها تقف موقف المتفرج لتطورات الأحداث هناك وتقدم القوات الروسية على حساب الحليف الأميركي الغربي للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، بل تسعى إلى الضغط على موسكو وحلفائها من خلال قواتها المحتلة في سورية، وهذه قراءة تلقفها الجوار السوري، خاصة ممن تورط في الحرب الإرهابية عليها.
كلام النائبة السابقة لمساعد وزير الدفاع الأميركي لشؤون الشرق الأوسط سيمون ليدين، بأن العلاقة مع ميليشيات «قوات سورية الديمقراطية – قسد» تحظى بدعم كبير من وزارة الدفاع الأميركية، وهناك رغبة بتطويرها لتصبح شبيهة بعلاقة أميركا بكرد العراق، إنما يعبر عن التوجه الأميركي لفتح باب آخر لمواجهة روسيا، وذلك عبر رغبتها أو تلميحها بالذهاب بشكل أو بآخر إلى الاعتراف بالحركة الانفصالية، ليقينها أن ذلك يشكل أسلوباً إضافياً في الضغط على روسيا، قد يدفعها إلى المقايضة بين الساحتين «السورية والأوكرانية»، أو ربما تدفع باتجاه تأزيم الأوضاع في سورية، لدفع الجانب الروسي إلى الانخراط في مواجهة ثانوية تسبب له إرباكاً، تمني نفسها به أن يرتد في أوكرانيا، وقد جاء كلام ليدين بعد ما نشره مؤخراً موقع «المونيتور» الأميركي حول احتمال توقيع الرئيس الأميركي جو بايدن، على قرار رفع ما يسمى «قانون قيصر» عن المناطق التي تسيطر عليها ميليشيات «قسد» شمال شرق سورية قريباً.
كلام ليدين ليس المؤشر الوحيد على احتمال بدء تأثر الساحة السورية بما يجري في أوكرانيا، أو أن ثمة أمراً قريب الحدوث، بل إن جهات مقربة من النظام التركي تؤكد أن أردوغان متخوف من تداعيات الحرب الأوكرانية في إدلب وعموم منطقة «خفض التصعيد»، التي يتوقع أن تكون مسرحاً للعمليات العسكرية الروسية بعد تجاهله تطبيق بنود «اتفاق موسكو»، الأمر الذي دفع بجيش الاحتلال التركي إلى العمل على دمج نقاط مراقبته في جبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي وجنوب طريق «M4» الرابط بين حلب واللاذقية عبر محافظة إدلب، بغية تقليص عددها قدر الإمكان، بدل أن تكون متأثرة، ليسهل سحبها عند اللزوم.
الأمر ذاته تؤكده موافقة الكيان الإسرائيلي على تسليح خطة دفاعية مناطقية في الشّمال الفلسطيني المحتل على الحدود مع لبنان وسورية، عبر شرائها رادارات وصواريخ اعتراض لمنظومة الدّفاع الجّوي «القبة الحديدية»، وهو ما يعكس تنامي خوف العدو الإسرائيلي من حدوث تطورات في الميدان السوري، يضع الكيان وجهاً لوجه مع لحظة الحساب، ودفع فاتورة ما قام به من عدوان على الأراضي السورية منذ بدء الحرب الإرهابية.
تأكيد مصادر مقربة من موسكو مؤخراً، بأنّ روسيا دولة قوية وقادرة على تنفيذ أهدافها في أوكرانيا، ولن يكون هناك أي مقايضات بين الملفين السوري والأوكراني، وأنّ النشاط الروسي في سورية هو لمكافحة الإرهاب وتحقيق الأمن والاستقرار وسيستمر لفترة طويلة، يجعل الحديث عن حدوث ارتدادات كبرى لما يجري في أوكرانيا على الوضع الميداني في سورية، سابق لأوانه، أو أن يحدث أمر جلل يؤدي إلى قلب الموازين وحصول تغير جذري في الخريطة الميدانية في سورية، لكن من المؤكد بقاء الموقف الروسي على حاله إزاء سورية، والمؤكد أيضاً أن مضي القوات الروسية في مهامها بنجاح في أوكرانيا يجعل كلاً من النظام التركي وقادة الكيان الإسرائيلي يضرسون من فشل نظام كييف في المواجهة، ذاك الفشل الذي تحول إلى «حصرم» في حلوق أعداء سورية.
من المؤكد أيضاً، إذا لم تكن هناك مواجهة عسكرية مباشرة بين الروس والأميركيين على الأرض السورية، فإن البعض الآخر ممن تورط في الأزمة السورية، بدأ بتحسس رأسه، ويعمل على إعادة حساباته وتموضعه في سورية شيئاً فشيئاً، بانتظار التغيير الأكبر وهو عودة سورية إلى ما كانت عليه قبل 2010 حرة سيدة خالية من الإرهاب والاحتلال.