القانونية: أمل عبد الهادي مسعود
زادت أهمية المسؤولية الطبية نتيجة التقدم العلمي الهائل في مجال العلاج ووسائل الكشف والتشخيص, وإجراء الجراحات بالمناظير, واستبدال الأعضاء, والهندسة الوراثية, ونقل الدم والنخاع, والتحاليل المعملية المعقدة وانتشار بنوك حفظ الدم والأعين والأعضاء ..الخ.
وإذا كان من اللازم لذلك كله إقامة نوع من التنسيق بين نشاط الطبيب وأمان المريض، فإن مثل هذا التنسيق يجب أن يأخذ في الاعتبار الظروف الخاصة التي يوجد فيها الطبيب وتحيط به. وعلاوة على ضرورة المتابعة المستمرة لكل ما هو جديد في الطب بصفة عامة وفي تخصصه بصفة خاصة, فالطبيب عرضة للاستدعاء من قبل المريض في أي وقت وتحت أي ظرف. ذلك، إضافة إلى خوفه الدائم من احتمال أي خطأ, الأمر الذي يشكل عليه ضغطاً يجب عدم تجاهله أو التقليل من شأنه عند بحث التزاماته ومسؤوليته.
إن على الطبيب أن يأخذ في غالب الأحوال قراراته, وهو في حالة تقترب كثيراً من حالة الضرورة, خاصة أن أعراض كثير من الأمراض متشابهة, وعلاج مرض منها قد يكون على النقيض من علاج مرض آخر. وقد يكون الطبيب مضطراً لاتخاذ أخطر القرارات, في أقل وحدات الزمن. فالمريض لن ينتظره حتى يقلّب الأمور ويقدّر الاحتمالات ويتصور العواقب وإذا كان الأمر كذلك, فإن البحث يجب أن يكون جاداً في إيجاد نوع من التوازن بين المصالح المتعارضة: مصلحة الطبيب ومن ورائه المجتمع, في أن تُهيأ له ظروف العمل والإبداع والكشف والتشخيص والعلاج في هدوء نفسي, ومصلحة المريض في أن يحصل على العلاج الصحيح في الوقت المناسب, وأن يبصر على نحو كاف بحالته المرضية وظروف علاجه وما يتعرض له من مخاطر, وما يترتب على علاجه من آثار.
والذي يدفعنا إلى البحث في هذا الموضوع هو ما نلاحظه من اختلاف بين المبادئ القانونية من جهة, وما يقع في الحياة العملية من جهة أخرى فيما يتعلق بالتزامات الطبيب. فكثير من الأطباء يخلص لدراسته الأكاديمية, دون أن ينتبه إلى التزاماته القانونية, التي يعتقد أنها مجرد واجبات أدبية تخضع لسلطته التقديرية. وليس هذا موقف الأطباء فحسب، بل إن كثيراً من المرضى يعتقد ذلك. ولقد نتج عن هذا الاعتقاد المشترك, أنْ شاع إحساس بأن الطبيب فوق المساءلة، وهذا ما يفسر خلوّ دوريات القضاء في البلاد العربية من أحكام تتعلق بالتزامات الطبيب بصفة عامة.
والحقيقة، فإن الحال عكس ذلك في فرنسا مثلا, حيث غصت دوريات القضاء بأحكام صدرت في قضايا تبدو للناظر المتعجل قليلة الأهمية، إلا أنها تشير في حقيقة الأمر إشارة واضحة إلى تأصل فكرة الحق في نفوس المرضى, وفكرة الالتزام في نفوس الأطباء. ولعلنا ننعش بهذا المقال بين طرفي العلاقة الطبية, فكرة الإحساس بالالتزامات والحقوق في علاقة من أهم العلاقات القانونية على الإطلاق؛ علاقة الطبيب بالمريض. ولقد اخترت أن يكون موضوع المقالة هو التزام الطبيب بتبصير المريض, حتى نبيّن مدى أهمية التزامٍ يخاله الكثيرون من العامة والخاصة قليل الأهمية مع أنه صدر بشأنه العديد من المؤلفات، وعقد من أجله الكثير من المؤتمرات، ويحظى باهتمام كبير في الفقه الغربي. ويحسن أن نبدأ أولاً بتحديد المقصود بالتزام الطبيب بتبصير المريض, حتى نستطيع أن نحدد بعد ذلك نطاق هذا الالتزام والعوامل التي تؤثر فيه ضيقاً وسعةً.
من المعلوم أنه يلزم لإبرام العقد الطبي ـ شأنه في ذلك شأن باقي العقود ـ وجود الرضا. فالرضا ركن من أركان العقد وبدونه يولد ميتاً ويصبح هو والعدم سواء. لذلك ينبغي على الطبيب قبل إبرام العقد أن يفضي إلى المريض بكل المعلومات الكفيلة بجعل رضا المريض حراً مستنيراً، وهذا ما يعرف بالالتزام قبل التعاقد بالإدلاء بالبيانات، ويوافق المريض على ذلك ويصرّح بكل علاج يخضع له أيا كانت طبيعته، وأيا كان لزومه طوال مدة العلاج, ومن ثم فقبول العلاج والرضا به.
ولاشك أنه من الأهمية بمكان عدم الخلط بين ركن الرضا في العقد الطبي, وما يستلزمه من إدلاء الطبيب بالمعلومات والبيانات المتعلقة بالمرض وعلاجه, وبين قبول العلاج والتصريح به من قبل المريض أثناء سريان العقد. فرضاء المريض في العقد الطبي لا يطلق يد الطبيب في أمر علاجه, بل يجب أن يحيطه علماً بحقيقة وضعه في كل مرحلة من مراحل العلاج. ذلك أنه لم يعد أحد يقبل الآن ما قاله بلانيول من ((أنه لا يخول إلا الأطباء أن يكذبوا بكل حرية)).
والحق، أن الطبيب قد يجد نفسه في موقف لا يحسد عليه أمام الأهوال التي يكشف عنها فحصه للمريض, فهل يسلك معه أقصى درجات الصراحة والوضوح ويكشف له عن كل ما ألمّ به أخذاً برأي من قال: ((إن الإنسان لا يواجه بالحقيقة إلا في حالتين: الحب والموت))، أم يكشف فقط عن وجه الحقيقة الكالح وبما يناسب حالة المريض النفسية والمرضية؟ وإذا ما قرر ذلك, فما هو المعيار الذي يفاضل على أساسه بين معلومة وأخرى؟ وهل يمكن أن تؤثر إمكانات المريض العلمية والثقافية على التزام الطبيب؟
مما لاشك فيه أن المعلومات التي يقف عليها الطبيب من فحص المريض ليست من طبيعة واحدة. كما أن المخاطر التي يتعرض لها الأخير, نتيجة ما ألمّ به من مرض ليست بدورها على درجة واحدة، خاصة بعدما تنوعت وسائل الفحص والتشخيص. وإذا كانت التشريعات في كافة الدول ومعها الفقه والقضاء, قد أجمعت على ضرورة أن يبدي المريض قبوله لما يخضع له من علاج، أياً كانت طبيعته, فإن ذلك استلزم اتفاقهم أيضاً ضرورة تبصيره بحالته, وما هو مُقدم عليه من علاج. إلا أنهم اختلفوا بعد ذلك في كمّ وطبيعة المعلومات التي يلتزم الطبيب بتبصير المريض بها حتى يكون قد أوفى بالتزامه، لا سيما وأن نطاق هذا الحق يتوقف على مجموعة عوامل يأتي على رأسها طبيعة المخاطر التي يتعرض لها المريض, ومدى توافر حالة الاستعجال والضرورة، وثقافة المريض والبدائل المتاحة أمامه، ودور الطبيب في القرار النهائي للمريض بعد تمام تبصره بحالته. فهل يجوز للطبيب أن يوجه المريض أو يساعده في اتخاذ القرار, أم يلزم الحياد المطلق تاركاً المريض يختار بنفسه؟ وإذا ما تم تبصير المريض بحالته على النحو المفروض, فهل له أن يرفض العلاج رغم لزومه لحالته؟
لقد بينت وزارة العدل السورية في الكتاب رقم /12703/ لعام 1973 ((أن توفر شرط الرضا يقوم على ما لجسم الإنسان من حصانة, بالإضافة إلى أن العلاقة بين العليل والطبيب تقوم على الثقة, وهي لا تتوافر إلا إذا وافق العليل على أن يعالج من قبل طبيب معيّن، والرضا قد يقع بصورة صريحة أو ضمنية, كما لو ذهب إلى غرفة العمليات وهو عالم بنوع العملية التي ستجرى له, وقد يقع الرضا من العليل نفسه أو من قبل ممثليه القانونيين)).
نطاق التزام الطبيب بتبصير المريض:
من الحقائق العلمية الراسخة أن أي علاج مهما كان مفيداً يمكن أن تترتب عليه بعض النتائج الضارة غير المتوقعة، وإذا كان الفقه والقضاء في مجملهما متفقين على أن الطبيب لا يلتزم بتبصير مريضه بكل النتائج المأساوية والاستثنائية التي تتصور من العلاج، إلا أنهم يحددون نطاق التزام الطبيب تبصير المريض بالتالي:
أولاً: نطاق التزام الطبيب يتوقف على طبيعة المخاطر المتوقعة:
يجمع الفقه على أن الطبيب لا يلتزم بلفت نظر المريض إلى الشاذ والنادر من المخاطر التي يمكن أن تحدث؛ فلا يمكن للطبيب الذي يشرف على سيدة توشك على وضع حملها, أن يخبرها أن 2 بالألف من السيدات الحوامل يمتن أثناء الولادة؛ أو يخبر من يُقدم على إجراء عملية الزائدة الدودية أن كل تخدير يحتمل إغماءة مميتة, فيكفي أن يعلم المريض بالمخاطر المتوقعة عادة, أي يُعطى فكرة معقولة عن حالته، تسمح له بأن يتخذ قراراً راشداً وحكيماً دون الدخول في التفاصيل الفنية التي لا يستطيع المريض استيعابها، سواء فيما يتعلق بنتائج المرض أو طرق العلاج. فلا يمكن أن نطالب الطبيب بأن يتحول إلى محاضر في الطب.
ولكن إذا كان الطبيب يدرك أن حالة المريض خاصة، ولم يخبر المريض بذلك اعتماداً على مقدرته الفنية أو شهرته الجراحية في إمكانية التغلب على الآثار غير المتوقعة للجراحة وثبت أن المريض لو علم بها لما قبل الجراحة، تكون إدانته واجبة.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه في حال طبّق الطبيب التزام التبصير وقبل المريض العلاج، وأثناء العمل الجراحي فوجئ الطبيب بمرض أخطر من الذي كشف عنه للمريض، فهل يوقف الجراحة حتى يبصر المريض بوضعه الجديد؟
البعض من الفقه لم يجد مفراً من الاحتكام إلى ضمير الطبيب, فموقفه في هذه الحالة ينبع من ضميره، وأن يواجه الظرف الجديد دون تصريح جديد من المريض, إذا أنس أن ذلك في مصلحة المريض. لقد أقر القضاء الفرنسي موقف الجراح الذي فتح بطن مريض لإزالة ورم بسيط حميد، فاتضح له بعد الفتح أنه ورم سرطاني خطير مما يجعل الجراحة أكثر خطورة, ورغم ذلك قام بها. ونعتقد أن هذا الرأي يبدو أكثر منطقية وواقعية, لأن التوقف عن التدخل الجراحي انتظاراً لموافقة جديدة من المريض, ثم معاودة الجراحة مرة أخرى, يكون أكثر ضرراً وخطراً على المريض من الاستمرار.
ويرى البعض الآخر ضرورة تبصير المريض بحقيقة حالته, مهما كانت صعوبتها وقسوتها؛ فالمريض يجب أن يصدر رضائه اختيارياً دون مواربة. وقد كان موقف المشرّع الفرنسي الذي أجاز للطبيب أن يلوذ بالصمت, وأن يخفي الحقيقة المرة عن مريضه, مثار انتقاد أصحاب هذا الرأي الذين يعتقدون أن من حق المريض أن يبصر بكل شيء مهما كان أثره.
وكان أعنف هجوم تعرّض له المشرّع من العميد سافاتيه الذي قال: ((إن كل فقيه عليه أن يحتج على موقف المشرّع الذي يبدو أنه وضع قاعدة عامة, على الرغم من أن حقوق المريض تفرض العكس, إذ تقضي القاعدة الخلقية أنّ للمريض الحق في معرفة الحقيقة. هناك بلا شك حالات لا يستطيع المريض تحملها, وهنا يمكن أن يبرر البحث عن أقل ألم. ولكن من الواجب أن نؤكد أن هذه الحالات تظل استثنائية وأن المريض يجب ـ كقاعدة ـ أن يعامل كانسان حر)). ويبرر هذا الفقيه قوله بالعمل على رفع درجة المقاومة عند المريض, وحثّ عوامل حب البقاء وشحذ همته لقهر المرض وعدم الاستسلام له. ومن حق المريض أن يُخطر بدنو أجله وقدره المحتوم لكي يُصلح فيما بقي له من أمره مع الناس، فيردّ المظالم إلى أهلها ويستعفو من ظلمه ويرد أماناته ويطلب الصفح والعفو والغفران من خالقه عله يرضى.
ثانياً: التزام الطبيب بالتبصير لا يقف عند المخاطر بل يشمل الآثار والبدائل:
ينبغي على الطبيب تبصير المريض بآثار التدخل الجراحي وما حدث خلاله, وليس فقط مخاطر علاجه، فيبيّن له شدة الألم ونطاقه ومظاهره والمدة التي يجب عليه عدم الحركة خلالها، وفترة النقاهة والتشوهات والعاهات التي يمكن أن تتولد عن الجراحة، وما قد يحدث له أثناء العمل الجراحي من حوادث مشؤومة.
وفي حالة لافتة، أدانت محكمة النقض الفرنسية طبيب أسنان عندما خدّر مريضه تخديراً كلياً ليخلع له أربعة عشر سناً، وفي أثناء القلع سقطت إحداها في جوفه ولم يخبره الطبيب بذلك. وبسبب اكتشاف هذا الجسم الغريب في رئة المريض متأخراً، ساءت حالته إلى حد بعيد فقُضي بمسؤولية الطبيب, ليس فقط لسقوط السن منه في جوف المريض، ولكن لأنه لم يخبره بما حدث حتى يستطيع تلافي آثاره. وبالتالي على الطبيب تبصير المريض بطرق العلاج الممكنة والبدائل والخيارات المتاحة مبيناً له مخاطر وميزات كل طريقة, وإن كان ذلك كله يجب أن يتم في خطوطه العريضة بعيداً عن التعقيدات والمصطلحات الفنية.
وفي حالة أخرى، أدين طبيب لكونه تصرف دون لفت نظر المريض للخيار العلاجي المتاح، حيث فضل المريض أن يحقن في ذراعه بدلاً من أن يحقن في مؤخرته. ولم يوضح له الطبيب المخاطر، واقتصر على القول إن الحقن في هذا الموضع سوف يكون مؤلماً دون أن يوضح له الخطر الحقيقي المتمثل في ضمور العضلات. والواقع أنّ ثمّة من يرى من الفقه أن اختيار طريقة العلاج يجب أن تترك لحيطة وفطنة الطبيب المعالج، فالطبيب هو الحكم الوحيد الذي يستطيع أن يختار العلاج الأكثر مناسبة لحالة المريض, بشرط أن يتبع ذلك كله لأغراض علاجية بحتة.
مما لاشك فيه أن نطاق هذا الالتزام يعتمد على طبيعة العمل الطبي المطلوب من الطبيب مباشرته, ومدى ضرورته. فإذا كانت حالة ألم المريض لا تسمح بالحصول على رضائه ومن باب أولى بتبصيره, فإن ذلك يجب ألا يمنع الطبيب من التدخل, بل إن التدخل في مثل هذه الحالة مفروض قانوناً على الطبيب. فكلما كان العلاج ضرورياً وعاجلاً، ضاق نطاق واجب التبصير الملقى على عاتق الطبيب. وإذا لم تكن الغاية من التدخل سوى تحسين حالة المريض الصحية بصفة عامة، دون حاجة أو ضرورة ملحة, فإن معاملة الطبيب تكون أكثر شدة فيما يتعلق بهذا الواجب.
وأكثر ما نلاحظ ذلك في جراحة التجميل والتجارب العلاجية, حيث يتسع فيهما التزام الطبيب بتبصير المريض، ليس فقط بالأخطار المتوقعة والعادية، بل بكل المخاطر التي تحيط بالجراحة, وما قد يتولد عنها من آثار قد تبقى مع الزمن وذلك لانعدام الضرورة. ولذلك قضي بأن التبصير يكون أكثر لزوماً إذا كان التدخل الجراحي لا يهدف إلا إلى تقويم بعض العيوب غير الجوهرية, فعلى طبيب التجميل إذن أن يبصر المريض بكل الأضرار والمخاطر وكل النتائج المتصورة للعملية وطبيعتها الحقيقية ونسبة نجاحها، وذلك دون أدنى تحفظ، حتى لو كانت نادرة واستثنائية، وهي قاعدة عامة في جراحة التجميل، وإن كان بعض الفقه يقصر ذلك على جراحة التجميل بمعنى الكلمة؛ أي تلك الجراحة التي تهدف إلى إصلاح عيوب طبيعية كأنف طويل أو جيوب تحت الجفن أو ترهل في الثدي. أما الجراحات الإصلاحية أو التقويمية التي تهدف إلى إصلاح عاهات أو تشوهات خلقية كفصل الأصابع الملتصقة فتعامل بمقتضى القواعد الخاصة بالتدخل العلاجي.
وقد جرت العادة أن تنص قوانين آداب ممارسة مهنة الطب في الدول على أن للطبيب أن يخفي عن مريضه التشخيص الخطير لحالته, والذي ينذر بقرب منيته. ومعنى ذلك أنه يجوز للطبيب ألا يبصر مريضه بحقيقة وضعه، وهذا بمثابة إعفاء للطبيب من التزامه بالتبصير، وإن كان من الفقه من ينتقد ذلك بشدة ويشكّك في شرعية قاعدة من شأنها أن تحدّ من حق المريض في معرفة الحقيقة.
وكان القضاء في فرنسا قد أقر صراحةً مشروعية الكذب الطبي إذا كانت حالة المريض تجعله لا يستطيع أن يواجه الحقيقة بمرارتها. فالجراح، طبقاً لهذا القضاء، يستطيع أن يجد فيما يمليه عليه ضميره الطبي المبررات المشروعة لعدم تقديم سوى معلومات هلامية تبدو غير كافية إذا قيست بمعيار الحقائق العلمية. ولا يعدّ من قبيل الكذب المبرر، الكذب الذي يكون من شأنه إخفاء العوامل المشجعة أو تشويه الحقيقة بقصد دفع المريض إلى قبول علاج، ما كان يقبله لو بصر بالحقيقة على نحو كاف. وهو ما يسمى بالكذب الخبيث.
ومعيار التفرقة بين هذين النوعين من الكذب يتمثل ببساطة متناهية في مصلحة المريض التي يقول فيها الفقه أنها المطهّر لموقف الطبيب الإنسان بكل ما تحتويه هذه الكلمة من معنى، لأنه لا يستطيع بل لا يمكن، أن يقف مكتوف الأيدي إزاء مريض يتمزق ألماً. فهو يعمل في مهنة إنسانية وأخلاقية وعلمية قديمة قِدَم الإنسان، أكسبتها الحقب الطويلة تقاليدَ ومواصفاتٍ تحتًم على من يمارسها أن يحترم الشخصية الإنسانية في جميع الظروف والأحوال، وأن يكون قدوة حسنة في سلوكه ومعاملته ومستقيماً في عمله، محافظاً على أرواح الناس رحيماً بهم، باذلاً جهده في خدمتهم؛ فيساهم في شفاء المرضى من جهة، وفي دفع عجلة التطور العلمي إلى الأمام من جهة أخرى. فهو إنسان مجتهد قد يخطئ وقد يصيب، وإذا أخطأ فإنما يكون قد أخطأ من حيث أراد الصواب.
مصدر الخبر
صفحة أمل مسعود على الفيس بوك