شهدت الولايات المتحدة الأمريكية خلال الأسبوع الثاني من شهر مارس الجاري أزمة مفاجئة، تمثلت في إغلاق بنك سيليكون فالي الذي يعمل على تمويل العديد من شركات التكنولوجيا في الولايات المتحدة، ومن بعده أُغلِق أحد البنوك الأخرى في نيويورك، وهو بنك سيجنتشر. وقد أعادت حادثة الإغلاق إلى الأذهان سيناريو ما حدث إبان الأزمة المالية العالمية في عام 2008.
وبدأ المستثمرون يُعرِبون عن مخاوفهم من فقدان مدخراتهم في البنوك المتوسطة الحجم، كما ازدادت المخاوف حول قيام المستثمرين بسحب أموالهم من البنوك الصغير ة والمتوسطة الحجم، ووضعها في بنوك أكبر لحماية مدخراتهم؛ ولذلك بادرت الإدارة الأمريكية بتبني مجموعة من الإجراءات لطمأنة المودعين. ولكن في ظل ضبابية المشهد، ووجود توقعات بحدوث اضطرابات مصرفية جديدة، فمن المحتمل أن يكون لذلك تأثير كبير على نتائج الانتخابات الأمريكية خلال عام 2024، لا سيَّما على المرشحين الديمقراطيين.
خطوات التعامل
أعلنت الإدارة الأمريكية عن مجموعة من الخطوات للتعامل مع أزمة البنوك الراهنة. ويمكن إيضاح تلك الخطوات فيما يلي:
1– الاستحواذ على البنوك المنهارة: أكدت الإدارة الأمريكية أن ودائع الأفراد ستكون آمنة، حتى لو تخطت 250 ألف دولار التي تؤمنها مؤسسة التأمين الفيدرالية في حالة حدوث انهيار، كما سيتم بيع أصول البنوك المنهارة لتسديد أموال أصحاب الودائع غير المؤمن عليها التي تتخطى 250 ألف دولار. وقد استحوذت الحكومة الأمريكية على بنك سيليكون فالي. ودشنت المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع البنك الوطني في سانتا كلارا للاحتفاظ بودائع وأصول البنك، وإدارتها. وأوضح الرئيس جو بايدن أن “صندوق تأمين الودائع سيغطي جميع الودائع التي تتجاوز حدود المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع”.
2– تجنُّب مساعدة البنوك المتعثرة: أكدت الإدارة الأمريكية أنها لن تقدم خطة إنقاذ لمساعدة تلك البنوك المتعثرة، موضحةً أنها لن تساعد المديرين التنفيذيين الذين تبنَّوا سياسات “غير مسؤولة”. وعلى المنوال نفسه، أوضح العديد من المشرعين الديمقراطيين والتقدميين، ومن بينهم السيناتور بيرني ساندرز، أنه لا يمكن تقديم المساعدة لمسؤولي البنوك الأثرياء؛ حيث قال: “لا يمكننا الاستمرار في طريق المزيد من الاشتراكية للأثرياء، والفردية القاسية لأي شخص آخر”؛ حيث يرى ساندرز وغيره من المشرعين أن تقديم المساعدة لتلك البنوك التي فشلت في إدارة الأموال الموجودة بداخلها، قد يقود الولايات المتحدة إلى مصير مماثل لما حدث في عام 2008؛ حيث حدثت الأزمة المالية العالمية التي ساهمت في ظهور نخبة جديدة من السياسيين داخل الكونجرس الأمريكي، ومن بينهم النائبة التقدمية من نيويورك ألكساندريا أوكاسيو كورتيز.
3– توجيه رسائل قوية من الرئيس بايدن: حرص الرئيس الأمريكي جو بايدن على الظهور خلال الأسبوع الثاني من مارس 2023، لطمأنة المواطنين، ولإيصال رسائل مفادها أن دافعي الضرائب لن يتحملوا الخسائر الناجمة عن السياسات الخاطئة التي تم اتباعها في إدارة بنك سيليكون فالي، وبنك سيجنتشر، مشيراً إلى أنه لن تُقدَّم أي مساعدة لتلك البنوك الفاشلة. وأكد الرئيس أمان وقوة النظام المصرفي الأمريكي، مشدداً على أنه سيتم محاسبة مديري البنوك المغلقة على السياسات التي تسببت في حدوث هذا الأمر.
4– إجراء تحقيقات موسعة لمعرفة أسباب الانهيار: أعلنت صحيفة وول ستريت جورنال عن شروع السلطات الفيدرالية، متمثلة في وزارة العدل ولجنة الأوراق المالية والبورصات، في التحقيق في سبب هذا الانهيار، الذي كان أحد أسبابه توجه العملاء بكثافة لسحب ودائعهم التي بلغت قيمتها نحو 42 مليون دولار، بما يعادل ربع إجمالي ودائع بنك سيليكون فالي، وتوجه المودعين في بنك سيجنتشر بسحب أكثر من 10 مليارات دولارات من ودائعهم. وجاءت عمليات السحب في البنكين، خاصةً في بنك سيليكون فالي، بسبب مبيعات الأسهم التي نفذها المسؤولون الماليون في الأيام السابقة، وتحديداً في 8 مارس؛ حين قامت الشركة الأم “إس في بي فايننشال جروب” (SVB Financial Group) ببيع أوراق مالية بقيمة 21 مليار دولار؛ ما تسبب في خسائر بقيمة 1.8 مليار دولار، معلنةً عن تبني سياسات جديدة لدعم وضع البنك عن طريق طرح أسهم بقيمة 2.25 مليار دولار؛ لذلك غضب المودعون وتوجَّهوا لسحب ودائعهم.
انعكاسات الأزمة
من المؤكد أن تلك الأزمة إذا تفاقمت فإنها سيكون لها تأثير على نتائج الانتخابات الأمريكية 2024، ويمكن توضيح ذلك فيما يلي:
1– فشل ديمقراطي في كبح جماح التضخم: وفقاً للمكتب الأمريكي لإحصاءات العمل، بلغ معدل التضخم السنوي في فبراير نحو 6%، متراجعاً عن شهر يناير؛ إذ بلغ حينها 6,4%، وهو ما يعد إنجازاً للإدارة الأمريكية، لكن تلك الأرقام لا ترقى إلى هدف بنك الاحتياطي الفيدرالي المتمثل في أن تصل نسبة التضخم إلى 2%، بما يعني أنه سيكون عليه استمرار العمل على خفض النسبة من خلال رفع أسعار الفائدة، مواجهاً احتمالية حدوث ركود اقتصادي، وانهيارات بنكية أخرى؛ لأنه بالرغم من إسهام أسعار الفائدة المرتفعة في زيادة إيرادات البنوك، فإنها تجبرهم على تخفيض قيمة أصولهم فيما بعد، بما يتسبب في حدوث خسائر التي سيتبعها انهيار للشركات الصغيرة أيضاً. وهناك توقعات بحدوث انهيار وشيك لبنوك أخرى على غرار بنك كريدي سويس.
وفي ظل ذيوع حالة من اللايقين حول تطورات الأوضاع المستقبلية، فإن نتائج الانتخابات القادمة، ومدى قدرة الديمقراطيين على الفوز فيها لن تكون محسومة في الوقت الراهن، لكنها ستتأثر إذا فشلت الإدارة في السيطرة على الوضع.
2– تعزيز الانقسام السياسي الداخلي: تعاني الولايات المتحدة في الوقت الراهن من وجود انقسام شديد داخل الكونجرس الأمريكي؛ حيث سيعمل الجمهوريون على عرقلة العديد من مساعي الديمقراطيين، بما في ذلك رفع حد سقف الديون، وإذا فعلوا ذلك، قد تلاقي العديد من البنوك مصير بنك سيليكون فالي، بما سيكون له آثار سلبية طويلة المدى على السياسة الأمريكية وعلى الانتخابات، كما أن الانقسامات الراهنة داخل الحزب الديمقراطي، وإن كانت أقل وطأةً من الحزب الجمهوري، ستخلق قاعدة واسعة من الناخبين المتشككين في السياسيين وفي السياسات التي سيتبنونها داخل المؤسسات الأمريكية؛ الأمر الذي سيؤثر بطبيعة الحال على انتخابات عام 2024 داخل الولايات المتحدة.
3– قيام الجمهوريين بدعاية انتخابية سلبية: يحاول العديد من الجمهوريين استغلال المشكلة الراهنة، مشككين في قدرة إدارة بايدن على حل المشكلة؛ حيث أشار حاكم ولاية فلوريدا والمرشح الجمهوري المحتمل رون ديسانتيس، إلى أن “الهوس بإقامة المشروعات الاجتماعية التقدمية” كان سبباً في تلك الأزمة. بينما قالت نيكي هايلي سفيرة ترامب السابقة لدى الأمم المتحدة، التي أعلنت حملتها الرئاسية في فبراير 2023: “يجب أن ينتهي عصر عمليات الإنقاذ الحكومية والشركات الكبرى”. وشكَّك نائب الرئيس الجمهوري السابق والمرشح المحتمل أيضاً للحزب الجمهوري مايك بنس، بأن بايدن كان “مخادعاً” في تصريحاته حول أن الحكومة لن تدعم تلك البنوك.
بينما كتب الرئيس السابق دونالد ترامب على منصة التواصل الاجتماعي الخاصة به سوشيال تروث: “سنواجه كساداً شديداً أكبر بكثير وأكثر قوةً مما كان عليه في عام 1929.. والدليل أن البنوك بدأت بالفعل في الانهيار”، مشيراً في تصريحات مختلفة للصحفيين إلى أن اللوائح التنظيمية الحالية وأسعار الفائدة المرتفعة قد تؤدي إلى تعثر وسقوط المزيد من البنوك الأمريكية. وفي ضوء ذلك، من المتوقع أن يعمل الجمهوريون على التوسع في استغلال هذه القضية خلال حملتهم الانتخابية لانتخابات عام 2024، بما قد تُلقي بآثارها السلبية على المرشحين الديمقراطيين إذا كانت استجابة الحكومة الفيدرالية الراهنة غير ملائمة.
فرص الجمهوريين
وختاماً، يمكن القول إن قدرة تأثير أزمة البنوك الأمريكية الراهنة على الديمقراطيين في انتخابات عام 2024، ستتوقف على قدرة الإدارة على التعاطي مع الأزمة وحلها؛ لأنه إذا توسعت الأزمة وطالت العديد من البنوك الأمريكية الأخرى، فإن مستقبل الديمقراطيين في انتخابات عام 2024 سيكون على المحك، وستكون هناك فرص أقوى للجمهوريين للفوز بالسباق الانتخابي القادم.
منصة إعلامية إلكترونية تنقل الحدث الإخباري بشكلٍ يومي تعني بالشؤون المحلية والعربية والعالمية تشمل مواضيعها كافة المجالات السياسية والثقافية والاقتصادية إضافة إلى أخبار المنوعات وآخر تحديثات التكنولوجيا