حظيت القمة العربية في جدة باهتمام اعلامي كبير من الاعلام العربي وحتى من قبل النشطاء العرب على وسائل التواصل الاجتماعي، حضور الرئيس “بشار الأسد” كان حدثا بحد ذاته بعد غياب منذ العام 2010 اثر الحرب في سورية والقطيعة وحالة العداء المعلنة بين سورية وعدد من الدول العربية ومنها المملكة العربية السعودية التي احتضنت القمة وعملت بجد على حضور الأسد وإعادة العلاقات مع سورية.
حضور الرئيس الاوكراني “فولدومير زيلينسكي” القمة العربية والقاء خطاب اثار العديد من التساؤلات عن معنى الحضور واسبابه، هل هو لتخفيف السعودية من غضب الولايات المتحدة بعد اقدام الرياض على كسر العزلة العربية عن الرئيس السوري خلافا للرغبة الأمريكية، ام ان الرياض ارادت اظهار التوازن في موقعها بين روسيا والصين والغرب خاصة بعد ان اقامت السعودية شراكات مميزة ومتطورة مع خصوم الولايات المتحدة “بكين وموسكو” ام ان السعودية بدأت نوعا من الوساطة بين زيلينسكي والرئيس بوتين، كلها تكهنات لها وجاهتها.
لكن بالمرور على ما نشر من اخبار حول ما جرى في هوامش القمة وهي كثيرة. ومن تلك الاخبار التي انتشرت ان امير قطر الشيخ “تميم بن حمد ال ثاني” غادر قاعة القمة اثناء الجلسة الافتتاحية قبل كلمة الرئيس “بشار الأسد”، وهذا لم يكن دقيقا، لان الشيخ تميم كان مقررا مسبقا متى يأتي ومتى يغادر وقد غادر قاعة القمة عندما كان الأمين العام لجامعة الدول العربية احمد أبو الغيط يلقي خطابه، قبل ان يتحدث الرئيس الأسد بفارق كبير بالوقت، ونعتقد ان الشيخ تميم قد وضع المضيف السعودي بصورة ذلك، وليس هناك احتجاج قطري او انسحاب او تعمد. ويمكن الاعتقاد ان الأمير القطري اجل اعلان مواقف قطرية من قضايا عربية ومنها ما يخص سورية، وتجنب حسم مواقف وفضل الانتظار الى حين.
الأقرب للواقع ان الوفد السوري لم ينزع سماعات الترجمة اثناء خطاب الرئيس الاوكراني كما انتشر، وان الوفد السوري لم يضع السماعات المخصصة للترجمة أصلا، لان زيلينسكي كان يتحدث باللغة الإنكليزية وكامل أعضاء الوفد السوري يتقنون اللغة الإنكليزية بشكل جيد ولم يكن ثمة حاجة الى الترجمة. ولم توثق عدسات الكاميرا اية لقطة يظهر فيها الوفد السوري يزيل سماعات الترجمة اثناء خطاب زيلنيسكي. مع ان الوفد السوري قد لا يكون فعلا استمع اليه او ابدى اهتماما لما يقول بسماعات وبدون سماعات. كما عدد من الوفود لم تستخدم وسائط الترجمة مثل الوفد الاماراتي والملك الأردني، حسبما اظهرت الكاميرات.
الامر الغريب هو الجدل الذي أثارته مداخلة مراسلة الإخبارية السورية في المؤتمر الصحفي الختامي، عندما سألت امين عام الجامعة العربية احمد أبو الغيط عن ما تمثله الجامعة من آمال وتطلعات الشعوب، لم يكن ثمة ما يستدعي الجدل او لوم المراسلة او الهجمات على أبو الغيط. لان في عالم الصحافة هذا يحدث دوما، وبشكل اكثر حدة ونقاش بين المتحدث وصحفيين.
سؤال المراسلة مشروع وطبيعي ومن حق الصحفي ان يطرح ما يريد من أسئلة، وردة فعل احمد أبو الغيط طبيعية كذلك وهو فعل ذلك سابقا في دفاعه عن الجامعة وعن مقرراتها في وجه صحفيين في مناسبات مماثلة.
لكن ما هو مستغرب ومثير للدهشة تدخل الإعلامي المصري “احمد موسى” الذي انبرى في تقريع الصحفية السورية، والدفاع عن أبو الغيط بشكل استعراضي خال من اللباقة، تلك حركة شائنة ومستنكرة في اخلاقيات المهنة، وهي اقرب للتطبيل والمداهنة منه الى التدخل الصحفي او ابداء وجهة النظر.
اما عن خبر المصافحة والحوار الجانبي الذي دار بين الرئيس بشار الأسد وامير دولة قطر الشيخ تميم ال ثاني، والذي أوردته وكالة الانباء السورية الرسمية، وجرى نفيه. فالمرجح ان هذا حدث فعلا. لان وكالة الانباء السورية لن تنشر خبرا من هذا النوع الحساس، دون ان يكون الخبر وصلها من مصدر موثوق وحاضر من أعضاء الوفد السوري المتواجد في جدة، ربما المصافحة والحوار لم يتجاوز المجاملة الشخصية بين شخصيتين يعرفان بعضهما قبل حالة العداء، او ربما هي بداية لما هو ابعد من ذلك، واذا كان حليف قطر في انقرة يسارع لفتح علاقة مع الأسد، والسعودية والدول العربية رحبت بسورية، فما الذي يجعل قطر وحيدة.