بدأت المرحلة الثانية من مظاهرات "السترات الصفراء". فيوم السبت 24 تشرين الثاني/ نوفمبر، تظاهر أكثر من 106 ألف شخص في جميع أنحاء فرنسا، بما في ذلك ثمانية آلاف في باريس، وفقا لما صرح به وزير الداخلية، كريستوف كاستانير. كما أكد الوزير أن "السترات الصفراء" نظمت أكثر من 1600 حدثا للاحتجاج على ارتفاع أسعار الوقود.
تجدر الإشارة إلى أن عدد المتظاهرين بلغ نحو 282 ألف متظاهر في جميع أنحاء فرنسا يوم السبت 17 تشرين الثاني/ نوفمبر، وفقا للإحصائيات الرسمية التي شملت نحو 2034 موقعا في جميع أنحاء البلاد. وتعبر المطالب التي تنادي بها هذه المظاهرات عن السخط الشعبي من الوضع المالي، وفقدان المقدرة الشرائية والظلم الاجتماعي، بالإضافة إلى فقدان الثقة في المسؤولين السياسيين.
من جهتها، ذكرت وزيرة النقل الفرنسية، إليزابيث بورن، يوم الأحد 25 أيلول /سبتمبر أن الحكومة لا تنوي "التراجع" عن ضريبة المحروقات، خلال مقابلة أجرتها مع صحيفة "جورنال دو ديمونش". وأضافت بورن قائلة: "لكن الانتقال الإيكولوجي لن يكون بمثابة العقاب للفرنسيين ذوي الدخل المتواضع". أما فيما يتعلق بملصق الضرائب الخاص بشاحنات الوزن الثقيل، فأوضحت الوزيرة أنه "لم يتم اتخاذ قرار واضح بعد، نظرا لحساسية هذا الموضوع الذي يتطلب المزيد من الوقت". وقد كانت بعض المظاهرات مليئة بالتوترات، حيث تم اعتقال نحو 130 شخصا وحجزهم، من بينهم 69 شخصا في باريس، بحسب ما صرحت به السلطات الفرنسية.
توتر شديد في باريس
في العاصمة، تظاهر ما يقرب من ثمانية آلاف شخص. وكان أصحاب السترات الصفراء قد أعلنوا سابقا أن مظاهرتهم لن تبلغ ساحة "شون دو مارس"، المكان الوحيد الذي سمحت الولاية بالتظاهر فيه، وذلك خوفا من أن يتم تطويقهم. وكما حدث في 17 تشرين الثاني/نوفمبر، تجمع المتظاهرون في الشانزليزيه أين تعددت الاشتباكات مع الشرطة. وقد تغيرت الأجواء بشكل كبير خلال الصباح في شارع الشانزليزيه قبل أن يحاول عناصر فرقة الأمن الجمهوري (أحد أجهزة الشرطة الوطنية الفرنسية) بسرعة تفريق المد الأصفر باستعمال القنابل الدخانية والغاز المسيل للدموع ومدفع المياه، مما أجبرهم على التراجع والعودة إلى ساحة "بلاس دو ليتوال".
في الوقت نفسه، بدأ بلطجية – بعضهم يرتدي سترات صفراء، لكن من غير المعروف ما إذا كانوا جزءا من الحراك أم لا- يضعون حواجز على الطرق بالاعتماد على فرش الشوارع. وعندما عاد المحتجون إلى ساحة بلاس دو ليتوال، قامت قوات الأمن برشهم بسيل من الغاز المسيل للدموع، واختنق الحي بأكمله، بما في ذلك زبائن المطاعم والفنادق وركاب المترو.
جميع أصحاب "السترات الصفراء" الذين تحدث إليهم مراسلو صحيفة "لوموند" الذين كانوا على عين المكان، اتهموا فرقة الأمن الجمهوري بوقوفها وراء تدهور الوضع. فهم يشعرون بأن لهم الحق في التعبير عن غضبهم، بما في ذلك في الشوارع التي لم تسمح المحافظة لهم بالتجمع فيها. من جانبها، حددت المحافظة "المجموعات التي تشكل خطرا"، في حين أدان وزير الداخلية، كريستوف كاستانير، أعمال العنف "المحرضة" من قبل عناصر من اليمين المتطرف التي اندمجت مع متظاهري "السترات الصفراء" حيث يقصد بذلك رئيسة حزب التجمع الوطني، مارين لوبان، التي احتجت على هذه الاتهامات. وقد جُرح 25 شخصا، من بينهم خمسة من الشرطة، بحسب ما أفادت به مديرية الشرطة. وعلى حسابه على تويتر، أعرب رئيس الجمهورية، إيمانويل ماكرون، عن إحساسه "بالخزي" جراء أعمال العنف.
في مناطق أخرى من فرنسا، تعبئة أكثر سلمية
خلافا لمظاهرة باريس، أُقيمت تجمعات "السترات الصفراء" في مناطق أخرى في جو سلمي، وفقا لمراسلي صحيفة "لوموند". ففي ليون على سبيل المثال، تشكل موكب صباحا وتظاهر بهدوء في وسط المدينة. أما في مدينة ليل، فقد انتهت المظاهرة بهدوء في ساحة الجمهورية، وهو مكان انطلاقها، في نهاية فترة ما بعد الظهر. وسار حوالي 600 متظاهرا من أصحاب "السترات الصفراء" لمدة ساعتين في شوارع وسط المدينة، مراوحين بين لحظات الصمت، "والاعتصامات"، والصيحات، حتى يُسمعوا أصواتهم. وفي تولوز أيضاً، ظهر أصحاب "السترات الصفراء" في مركز المدينة، بعدما ظلوا في ضواحيها خلال الأسبوع الماضي.
أما في مرسيليا، فقد أغلق المتظاهرون الدوارات المرورية لمركز لافالنتين التجاري، من خلال تعمد عبور الطريق مرات عديدة، مما أدى إلى تكدس مروري. وفي مونبلييه، كوّن أصحاب "السترات الصفراء" صفا من الأشخاص لتشريف مظاهرة ضد العنف الجنساني والجنسي، نُظمت تلبية لنداء مجموعة "نو توس" المدنية. أما في لاريونيون، فقد تم تشكيل تجمع أمام العمالة. ويستمر غلق الدوار المروري في لا بالنس في سان بيير، جنوب الجزيرة، لليوم الثامن على التوالي، دون أن تتطور الوضعية أكثر.
متظاهرون مختلفون، ومطالب مشتركة
من بين المحتجين في مرسيليا، أظهر ماتيو، البالغ من العمر 32 سنة ويعمل سباكا، ميله نحو الحزب الشيوعي. وقال متظاهر آخر إنه تحصل على بطاقة الجبهة الوطنية في سنة 2011، في الوقت الذي يتبنى فيه ميشال، المتقاعد من المجلس العام لمنطقة بوش دي رون الفرنسية والبالغ من العمر 66 سنة، الاشتراكية. وقد أفادت مارتين، المتقاعدة والعضوة في حركة نيكولا دبون-انيان، "انهضي فرنسا" قائلة: "لكني أرى أشخاصا من المنتمين إلى حزب فرنسا الأبية… ولا أحد يُؤْثر انتماءاته السياسية هنا".
قال المراقب العام السابق في الشرطة موريس نيكول (83 عاما) إنه أصبح "مشمئزا من النفقات الضخمة لكل من الحكومة ورئيس الدولة"
تختلف حساسيات المتظاهرين السياسية، على الرغم من أنهم يُعبرون جميعا عن الغضب ذاته. وفي هذا السياق، صرحت إيميل قائلة: "نحن نريد تخفيض أسعار الوقود، والضرائب. لا نُريد شراء سيارة كهربائية بالصكوك البنكية. من الذي يستطيع تحمل تكلفة سيارة كهربائية؟". ومع معاش تقاعدي قدره 650 يورو ومعاش الورثة الذي تتلقاه عن زوجها، تدعو مارتين إلى "التوقف عن تضييق الخناق على الأشخاص البسطاء، بينما تُلغي السلطات الضريبة على الثروة".
في ليل، يتظاهر برونو ليبور (47 سنة) مع عشرة أشخاص آخرين من أفراد عائلته. ويتلقى هذا الشخص الذي يعمل كتقني صيانة راتبا شهريا قيمته 2500 يورو، دون أن يشتكي من ذلك. ولكنه شدّد قائلا: "لا يزعجني دفع الضرائب لتمويل المرافق العمومية، ولكن نحن ندفع من أجل كل شيء، في الوقت الذي لا يدفع فيه الأغنياء الضرائب. لقد حان الوقت كي يدفع الجميع حصصا عادلة من الضرائب!"
في تولوز، تجندت فينا، البالغة من العمر 28 سنة ورئيسة الخدم في إحدى المطاعم من أجل أن "تتوقف الضرائب العديدة والمختلفة عن إثقال كاهل المواطن". وفي موكب "السترات الصفراء" في ليون، قال المراقب العام السابق في الشرطة موريس نيكول (83 عاما) إنه أصبح "مشمئزا من النفقات الضخمة لكل من الحكومة ورئيس الدولة". وتقول منظمة مجموعة "السترات الصفراء" المحلية في ستراسبورغ، مانو، إن "هناك الكثير من وسائل الإعلام التي تشوهنا وتقلل من شأن حركتنا. ليس ما نقوم به بالأمر العظيم، ولكننا تجرأنا وأقدمنا عليه على الأقل. نحن لسنا مجرد "سترات صفراء"، نحن مواطنون وساخطون أيضا، سئموا من ازدراء الأشخاص الذين يحكمونهم لهم".
في تولوز وبيزييه، صحفيون يُقدمون شكاوى
في تولوز، هاجم عشرات الأشخاص من أصحاب "السترات الصفراء" الصحفيين في ساحة الكابيتول. على إثر ذلك، قدّم ثلاثة صحفيين من قناتيْ "سي نيوز" و"بي أف أم" شكوى ضد "العنف المتفاقم" و"محاولة الاعتداء عليهم خلال تجمع". وبموجب أوامر حارسا الأمن الذين رافقوه طيلة أسبوع، اُجبر الصحفي العامل مع قناة "بي أف أم"، جان ويلفريد فوركيز، على الركض للهروب من مهاجميه. وقد قال فوركيز إن "هذا الأمر عبارة عن إعدام دون محاكمة حقا، والمستهدف هو قناة "بي أف أم". لقد تدهورت الأوضاع حالما شاهد المحتجون صحفيي القناة في الميدان".
في إحدى الشكاوى التي تحصلت وكالة "فرانس برس" على نسخة منها، تحدث الصحفي جون لوك توماس، من قناة سي نيوز، عن تعرضه للاعتداء من قبل مجموعة مكونة من 50 إلى 100 متظاهرا، كانوا يهتفون قائلين "صحفيون خائنون"، في الوقت الذي تواجدوا فيه مع "خمسة أو ستة صحفيين". وجاء في محضر الشرطة أنه "في الوقت ذاته، بدأ العديد من الناس بركلي ودفعي حتى يتمكنوا من إسقاطي". كما وصف مراسل سي نيوز لوكالة فرانس برس كيف تعرض للركل والبصق، وضُرب وجهه بزجاجة ماء، قبل أن "يركض" ويدخل إلى شارع مجاور، دون أن يصاب بأي أذى.
في بيزييه (هيرولت)، رفع صحفيان يعملان مع صحيفة "ميدي ليبر" المحلية شكوى ضد الضرر الحاصل للوكالة المحلية واللكمات التي تعرض لها أحدهما من قبل مجموعة "السترات الصفراء"، حسبما ما أورده رئيس التحرير أوليفييه بيسكاي لوكالة فرانس برس. وقد توقف نحو 300 متظاهرا، كانوا قد اتفقوا على اللقاء قرب مسرح بيزييه، أمام الوكالة التابعة لهذه الصحيفة المحلية، في وسط المدينة، متهمين هذه الوسيلة الإعلامية بأنها "في خدمة" الحكومة "و"بيعت إلى ماكرون"، وفقا لبيان صادر عن مجموعة صحفيي "ميدي ليبر".
حين لاحظ رئيس الوكالة، جيلم ريشود، وصول "السترات الصفراء" إلى مقر الوكالة، خرج لمحاورتهم، بعد أن أغلق باب الوكالة خلفه. واحتدت النقاشات. كما ذكر بيسكاي أن أحد الصحفيين العاملين في الوكالة، الذي يُدعى جان بيار أمارجر والذي كان برفقة ريشود، قد تعرض للدفع من طرف المحتجين. ووفقا للتفسيرات التي قدمها هذا الصحفي لوكالة فرانس برس، تتبع خمسة متظاهرين أمارجر، حين كان يصعد طوابق الوكالة. وأضاف "لقد وجه لي المتظاهرون لكمات على مستوى الرأس والظهر، كما أهانوني". وأردفت مجموعة صحفيي "ميدي ليبر" أن مقبض الباب قد كُسر عندما حاول البعض اقتحام المبنى.
المصدر: لوموند
Discussion about this post