كان ثمة سيناريو، على ما يبدو، لإسقاط حكومة بنيامين نتنياهو عقب عملية خان يونس الفاشلة بامتياز. أولى خطوات السيناريو غير المحبوك كفايةً كانت استقالة وزير الحرب السابق افيغدور ليبرمان ما يؤدي تلقائياً الى خروج حزبه، «اسرائيل بيتنا»، بنوابه الخمسة من الائتلاف الحاكم فتتقلّص اكثرية الحكومة في الكنيست الى 61، اي بفارق نائب واحد من أصل 120 نائباً.
ثانيةُ الخطوات كانت مطالبة وزير التعليم ورئيس حزب «البيت اليهودي» نفتالي بينيت بإسناد حقيبة وزارة الحرب اليه حتى إذا رفض نتنياهو، استقال بينيت مع نواب حزبه الثمانية من الائتلاف الحاكم ما يُفقد الحكومة اكثريتها في الكنيست، فتُضطر الى إجراء انتخابات عامة.
ثالثةُ الخطوات خروج وزير المال، رئيس حزب «كلنا»، موشيه كحلون ونوابه من الإئتلاف الحاكم اذا ما وافق نتنياهو على إسناد وزارة الحرب الى بينيت او حتى لو لم يفعل إنما ثابر على رفض إجراء انتخابات عامة.
كل هذه الخطوات تبيَّن لاحقاً أنها كانت عديمة الجدوى: لا بينيت أصرّ على تولي حقيبة الحرب، ولا نتنياهو كان في وارد اسنادها اليه اصلاً، ولا هو ونواب حزبه خرجوا من الائتلاف الحاكم احتجاجاً على حرمانهم هذه الحقيبة البالغة الأهمية، ولا كحلون اصرّ على إجراء انتخابات تحت طائلة الخروج ونوابه من الائتلاف الحاكم. بالعكس، الكل وافق لاحقاً على ان يُسند نتنياهو الى نفسه وزارة الحرب، وان يقرر منافسوه السابقون، ولا سيما بينيت، «الوقوف الى جانبه في كل ما يتعلق بأداء مهماته كوزير للحرب».
ما سرّ هذا التراجع السريع عن مواقف معلنة سابقاً؟
من العودة الى تصريحات نتنياهو بعد تفاديه سقوط الحكومة او إسقاطها، نقع على بعض التلميحات والكلمات «المشفّرة» التي يمكن من خلالها الإجابة عن هذا السؤال. هذه عيّنة من أقواله:
– «نحن في فترة حساسة للغاية ومركّبة جداً أمنياً، وفي هذه الحالات ممنوع إسقاط الحكومة لأن إسقاطها في مثل هذه الفترة هو انعدام للمسؤولية».
– «إن بعض الغضب الشعبي قد ينبع من حقيقة أنه من المستحيل تقديم بعض المعلومات الى الجمهور العريض».
– «هناك حاجة أثناء «المعركة الأمنية الدائرة» الى التصرف بمسؤولية».
لماذا «من المستحيل تقديم بعض المعلومات الى الجمهور»، وما هي واين ستكون «المعركة الأمنية الدائرة»؟
تصدّى بعض الصحف والمحللون العسكريون الى محاولة فك لغز هذه الأسرار على النحو الآتي:
صحيفة «يديعوت احرونوت» 2018/11/19 زعمت بلسان المحلل السياسي ايتمار ايخنر ان الحاخام الأميركي مارك شناير الذي يقف على رأس صندوق التفاهم الديني اليهودي – الإسلامي قال إن «ثمة التزاماً من جانب بعض دول الخليج بإعطاء اولوية لموضوع إقامة علاقات دبلوماسية مع «اسرائيل» وتطبيع العلاقات معها بشكل كامل»، ما يتيح الاستنتاج بأنه، إزاء أهمية هذا الموضوع، وجد نتنياهو ومؤيدوه ان اسقاط الحكومة واجراء انتخابات في مثل هذا الظرف موقف غير مسؤول.
القائد الأسبق لسلاح المدرعات والباحث حالياً في علاقة الجيش بالمجتمع العميد رونين ايستيك زعم في صحيفة «يسرائيل هيوم» 2018/11/18 أن إيران تعاني أزمة شديدة نتيجة العقوبات الاميركية وانها تطبخ بالتعاون مع سورية وحزب الله و»حماس» رداً شاملاً على «اسرائيل» والولايات المتحدة في الجبهة الشمالية لبنان وسورية الأمر الذي يستوجب الاستعداد الكامل للردّ على هذا التهديد، وان نتنياهو قال في أحد تصريحاته بعدما قرّر أن يُسند الى نفسه حقيبة وزارة الحرب: «كونوا مستعدّين. قريباً ستسمعون منّا. وهذا سيكون عاصفاً جداً».
كل هذه الآراء يمكن ان تفسِّر «المعركة الأمنية» التي اشار اليها نتنياهو. غير أن للمحلل العسكري عاموس هرئيل في «هآرتس» 2018/11/16 رأياً آخر مفاده «إن اهتمام بوتين بلبنان يمكن أن يقيّد أكثر عمليات الجيش الإسرائيلي في الشمال وذلك بأن تتوسع فعلياً مظلة الدفاع التي نشرتها روسيا في شمال غرب سورية بحيث تشمل لبنان أيضاً».
الى ذلك، ثمة رأي آخر وَرَد مباشرةً او مداورةً في تصريحات رونالد ترامب ومؤيديه في الإدارة او في الكونغرس مفادها ان الرئيس الاميركي في صدد دعوة كبار المسؤولين في الادارة والاستخبارات ولجان الكونغرس الى اجتماع من اجل تحديد موعدٍ لطرح ما يسمى «صفقة القرن» على الحكومات العربية ذات الصلة.
في ضوء هذا التحدي، من المعقول أن يرتئي نتنياهو ومؤيدوه ضرورة وجود حكومة مسؤولة في «إسرائيل» للتعامل مع ردود الفعل المنتظرة على هذا الحدث الخطير بدلاً من أن يكون الجميع منشغلين بانتخابات يكثر فيها غالباً الأخذ والردّ والاتهامات المتبادلة.
عصام نعمان ـ البناء
Discussion about this post