المنطقة بل العالم تم حقنه بالتطرف الأقصى، ليس الظهور المتطرف للمحسوبين على الإسلام سوى صورة من الصور العامة التي تبدو في الغرب وفي غير مكان .. فهنالك إذن “دواعش” عند المسلمين وأخرى عند الغرب وثالثة في إسرائيل والحبل على الجرار كما يقولون.
التطرف يولد التطرف، والعنف يولد العنف، والدم لا يغسل إلا بالدم، تلك النظريات لم تهبط على الأرض من كواكب أخرى، جاءت من إنسان الأرض، من اختراعه لأفكار كحلم ثم تطورت إذا تم سقاؤها بما يلزمها من نمو.
عندما ظهر “داعش” في منطقتنا العربية، كان الجو مهيأ لإحداث انقلاب في المفاهيم .. لكن هذا التنظيم عبر عن نفسه بكل القساوة والرعب والصدمة مما دفع العالم العربي إلى الابتعاد عنه .. لكننا فهمنا منذ لحظة بروزه أن ثمة قوى ولدته، ثمة رحم انطلق منه إلى الحياة بقوة حيث تمتع بالنمو الكامل والرعاية الشاملة، كان له أب وأم، ليس هنالك في عالمنا تنظيم بهذه القوة والانتشار والحضور الكامل تدريبا وأسلحة وكل الاحتياجات الطبية والاتصالات وغيره من خلاله فقط.
العنف الذي مارسه هذا التنظيم دفع من المؤهلين من سكان الغرب للعب دور مشابه إلى البروز، ليس مفاجئا ظهور الأسترالي في عملية القتل الممنهج داخل المسجدين في نيوزيلندا .. القاتل قام بعملية غسل لذاته من احتقان متصاعد، وثمة من يشبهه لكنه يخشى عاقبة التنفيذ. ثمة غربيون فرحون بما جرى للمسلمين في ذلك البلد البعيد جدا عن أية مظاهر بارزة من هذا النوع مع أنها موجودة فيه أيضا على ما نجزم .. أما في إسرائيل فيقال إحصائيا إن أكثر من ستين بالمائة من هذا الكيان “دواعش” إسرائيلية لديها الاستعداد التام لممارسة ماهو أعنف مما فعله “الداعشي” الأسترالي في نيوزيلندا.. هل ننسى مثلا مجزرة الخليل يوم دخل إسرائيلي إلى مسجدها وقتل العشرات بالطريقة ذاتها.
عندما يتطرف العالم يفقد عقله، بذرة التطرف لها أرض خصبة في كل المجتمعات .. لا يمكن القضاء عليها، لا بالسلاح ولا بالسجن ولا بأية قوة، علينا الذهاب لنزع البذرة، وهو أمر صعب ومستحيل طالما أن الإعلام يلعب دوره في تسهيل نموها، إضافة إلى الرعاية كما قلنا .. هنالك دائما من يقدمون للإرهاب احتياجاته التي تساعده على البقاء .. لو أفنى “قسد” كل دواعش الباغوز وغيرها في سوريا، لن يتمكن من إعلان انتهاء التنظيم الإرهابي لأن فكرته سادت ولسوف تستمر في أمكنة أخرى، بل هو سيعود إلى باطن الأرض، إلى العمل السري، دون أن يعاود تقديم ذاته بين الفينة والاخرى كجزء من التكوين الطبيعي لحياة العالم.
لن تكون الصورة الصادمة في نيوزيلندا آخر ما سيراه العالم، هنالك الكثير الكثير الذي يتوافق المشهد مع أفكاره ودوافعه، ولا ندري أين سيخرج رجال آخرون ليقدموا لنا صورا مصنوعة بالآلام التي تصيب أصحابها.
من صنع الإرهاب سيرتد عليه .. ثمة أجيال تبحث عن أفق، وهي خارج الرعاية الحقيقية .. هذه كثيرة في العالم، سوف تجد نفسها مرمية في دواعش مختلفة الأفكار لكنها تتفق على نقطة مركزية أن دورها في إطلاق الفوضى العالمية، وتحديدا في الشرق الأوسط، لن يتوقف .. لكن الدواعش بكل اختلافاتها الدينية والعرقية تتفق على هذا المبدأ.
زهير ماجد – الوطن العمانية
Discussion about this post