قلنا إن المشهد المؤثر في الدراما العربية يكمن اليوم في بلدان إفريقيا العربية .. انقلاب في السودان على البشير وربما “انقلاب” على رئيس الانقلاب عوض بن عوف الذي أعلن تنحيه بما يشبه ما فعله قبله بسنين سوار الذهب حين قام بانقلابه ثم انسحب من المشهد نهائيا، لكن الجمهور السوداني لم يهدأ .. وها هي الجزائر تبدل من فوق، تحاول الإيحاء بأنها تلبس ثوبا جديدا، لكن الشعب الجزائري يريد أكثر من هذا .. ثم هذه ليبيا تحترق عاصمتها، يقرأ العالم خوفا عليها، لكن الحرب التي انفتحت لا بد أن تصل إلى خواتيم معينة، خصوصا أن الرجلين اللذين يتقاتلان هما من أبناء الثأر العربي الذي لا يشفى بسهولة، وفي أجسادهما مصل خارجي تنامى.
الصورة تتطور ألوانها وتتشبع .. صحيح أنه اختفت وجوه كانت مؤثرة في أقطارها، لكن هنالك وجوه ستصعد وقد تختفي كما فعل بن عوف خلال يومين من تسلمه رئاسة المجلس العسكري السوداني .. لكن شعوب تلك الأقطار تريد إعادة التأهيل من سنوات حكم الواحد .. قانون طبيعي لأجيال تريد أن ترفض ما كان كونه لم يكن لها، وتفعل لما سيكون كي تكون كما هي أعمارها .. تطلعوا إلى الشارع السوداني والجزائري ستجدونه محملا بشباب فيه كل الفتوة والنضارة وقوة العضلات، لكنه لن يتحرك بسهولة من مشهد بلاده، بل هو يسمع صوتا خافتا يدعوه إلى تكملة دوره، ربما هو صوت تجارب العرب الأخرى أمام عينيه، أو صوت يعمل بلا هوادة على الإيحاءات القادمة من الخارج.
أفلتت من يد الجميع في ذلك الجزء من القارة الإفريقية العربية المطلة على البحر المتوسط، هو تراكم سنين تقرر في فترة ما انفجارا يسعى لأن يصيب ولا يريد أن يخيب .. بل هو الانفجار الذي يعرفه الشباب كحلم متخيل لنظام من المؤكد أنهم لن يصلوا إليه .. ثمة تسويات دائمة، ومثلما هنالك مهارات في تحريك الشارع، هنالك قدرة على تدريب الشعوب كي لا تصل إلى التعب، والمسألة باختصار مراحل، وكل مرحلة لها عنوان .. انتهى عصر الكم الواحد دفعة واحدة.
لن يهدأ السودان ولن تهدأ الجزائر ولن تقف الحرب على طرابلس عند حد وهي حرب ليست على عاصمة ليبيا بل على القرار فيها، ولذلك هي مستمرة خارج كل التسويات حتى الآن. وعدم الهدوء سوف يفضي إلى ملامح جديدة، إلى صور تتداعى وتتلاحق، وتغير قد يضرب تغييرا آخر .. من أخذ القرار في تلك الأقطار لن يتراجع، القرار من أجل التغيير الشامل، للنظام والدولة والسلطة .. إعادة تأهيل كما قلنا لدولة وشعب ..
هل هي الفوضى المنظمة التي هبطت على المنطقة ولها نماذجها التي حدثت؟ وهل هي التاريخ الأسود الذي سهر جهابذة سيرته على تنظيمه عند الكبار الذين اختلطت أحلامهم فلم نعد نرى سوى مصالح للجميع سواء ساعدوا أو ضربوا بقوة..؟ المهم أن الضحية العربية قبلت اللعبة عليها .. صار لها أن تهز رأسها بنعم وهي مهشمة الوجه واليد ومعقودة اللسان .. ليس هنالك أصعب من الحروب المخترعة في داخل الأقطار ويقولون لأناسها يجب أن تعتادوا الموت والخراب والدمار وكل صفات الخوف، وهذه تلد جيلا يحمل بصماتها، هكذا يريدون. لله كم هي أفكار القادرين عندما يكونون أشرارا أيضا!
زهير ماجد – الوطن العمانية