من المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس فتح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب النيران على الاقتصاد الأوروبي ووضع عصب صناعتهم أي السيارات في مرمى العقوبات مجدداً ليجبرهم على توقيع اتفاق تجاري مع بلاده وفقا لشروطه, كما خرق في الوقت ذاته الهدنة التجارية الموقعة حديثاً مع الصين ليهاجم من منصة دافوس عملاق التكنولوجيا الصيني «هواوي» والذهاب إلى المزيد من الضغط على الأوروبيين لمقاطعته.
لا يترك ترامب الأوروبيين وشأنهم, أو بالأحرى هم من يعطونه المساحة ليتحكم بقراراتهم ويفضلون أن يبقوا في خانة التابعين لواشنطن, ومع ذلك يستمر بتأنيبهم لينتزع منهم كامل قرارهم الاقتصادي والسياسي ضاغطاً بقوة من بوابة قطاع السيارات حيث لايزال مرسوم العقوبات جاهزاً بانتظار التصديق النهائي لتفعيله, لكنه يستمر بابتزازهم به في العديد من القضايا بداية بالتعامل العدائي مع إيران، ونجح ابتزازه وأعلن الأوروبيون«ألمانيا – فرنسا – بريطانيا» تفعيل ما يسمى «آلية فض النزاع» في الاتفاق النووي ما يهدد بانهياره, والآن يتدخل بتعاملهم مع الصين مؤكداً أن الأوروبيين لا يملكون خياراً وفقاً لتعبيره سوى الموافقة على شروطه وانجاز اتفاق تجاري سريع مع واشنطن، وقال ترامب من دافوس: إذا لم نتوصل إلى شيء ما، سأتخذ إجراءات، وستكون عبارة عن ضرائب مرتفعة جداً على سياراتهم ومنتجاتهم الأخرى المصدرة إلى بلدنا.
لكن لماذا يخشى الأوروبيون على هذا القطاع من ترامب؟ الجواب يدور حول أن الولايات المتحدة تعد أكبر مستورد للسيارات الأوروبية التي تلقى رواجا داخلها, وفي حال فرض ترامب رسوما إضافية على السيارات القادمة من أوروبا سيؤدي ذلك إلى ركود في سوق صناعة السيارات الأوروبية وخاصة الألمانية عملاق الصناعات الأوروبية، كما أنه سيفتح الباب أمام سوق السيارات الآسيوية في الولايات المتحدة لتحل محل الأوروبية.
وكان سوق السيارات الاوروبية قد بدأ بالانخفاض مع بداية العام الحالي، فيما اتجهت التوقعات إلى نهاية عهد ازدهار هذا القطاع مدفوعا بالقرارات السياسية والنزاعات التجارية التي تشنها واشنطن في العالم.
في هذا الملف أيضا جنح الاتحاد الأوروبي نحو التهدئة مع واشنطن ومازال يبحث عن صيغة جديدة لتبرير تبعيته لها وجاء ذلك على لسان رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين التي تريد التوصل سريعا لاتفاق تجاري مع الولايات المتحدة، وأيضاً فرنسا التي قررت إرجاء تسديد الضريبة على الشركات الرقمية الأمريكية التي أثار فرضها غضباً أمريكياً عارماً، القرار الفرنسي جاء رضوخا عند الضغط الأمريكي بعد اجتماع ثنائي على هامش اجتماعات دافوس.
ما جرى خلال الأيام الفائتة وما يجري الآن يؤكد أن أوروبا لا تمتلك أي خط مختلف عن واشنطن سواء كان ذلك بإرادتها أو من خلال الضغط عليها, وفي حال نفذ ترامب تهديده من الخطأ الاعتقاد أن ذلك سيدفع أوروبا للرد بالقوة نفسها أو فتح جبهة تجارية ضد ترامب وإن كانت تمتلك القوة الاقتصادية لذلك.
رشا عيسى: تشرين