منذ بداية الحرب على سورية، بدأت القوى الإقليمية والدولية جدولة خططها لما بعد سقوط الدولة السورية، وكانت جلّ استراتيجتهم تتمحور حول طريقة إسقاط الدولة في سورية، إلا أنّ المنجزات التي حققتها الدولة السورية سياسياً وعسكرياً، قد أسقطت خطط الغرب وتفاصيلها، كما أنّ إدارة مفردات هذه الحرب وعناوينها من قبل الرئيس الدكتور بشار لأسد، قد وضعت حداً لما دأب عليه الغرب تجاه سورية على مدى سنوات الحرب عليها.
لكن ضمن ذلك، لا يمكن إطلاقاً أن نغفل دور حلفاء سورية، في مساعدتها في الحرب على الإرهاب، لا سيما روسيا وإيران، ولعلّ المتابع للتطورات السورية، بات يدرك أنّ تقاطع المصالح والأهداف السورية والروسية والإيرانية، قد أنتج معادلة من الصعب اختراقها، أو التأثير في سياق عملها، خاصة أنّ سورية وما تمثله من عمق استراتيجي لحلفائها، بات ضمن إطار المعادلات الجيواسترتيجية بالنسبة لـ موسكو وطهران. بيد أنّ خطط الغرب تجاه سورية، قد انتقلت من مرحلة إسقاط الدولة السورية ورموزها، إلى مرحلة اللعب على وتر التواجد الإيراني في سورية، على اعتبار أنه «معطل لأسس الحلّ السياسي في سورية»، بحسب ادّعاءات واشنطن وأدواتها في المنطقة.
كثيرة هي الأوراق الرابحة التي باتت في يد سورية وحلفائها، حتى أنّ الكثير من المسارات السياسة والعسكرية قد باتت بحكم المنتهية، لكن مع بقاء المناورات الأميركية كعامل ضغط سياسي مؤثر على مجريات الانتصار السوري، وتداعياته الشرق أوسطية، الأمر الذي يبدو جلياً في تصريحات سابقة قالها دونالد ترامب لجهة بقاء القوات الإيرانية في سورية، وأنّ التواجد الأميركي في سورية ينطلق من بعدٍ أساسي، ألا وهو محاصرة إيران ومشاريعها في المنطقة، كما أنه لا يمكن لواشنطن أن تسحب قواتها من سورية في ظلّ بقاء إيران في سورية.
في هذه الجزئية، يبدو أنّ ترامب قد نسي أنّ التواجد الإيراني في سورية، هو بطلب رسمي من الدولة السورية، وهذا حق لـ سورية تكفله القوانين والمواثيق الدولية، وبالتالي فهو تواجد شرعي ويأتي بالتنسيق مع الدولة لسورية وجيشها، في مقابل تواجد أميركي غير شرعي في سورية، وخارج إطار مجلس الأمن، وبالتالي لا يمكن إطلاقاً مطالبة واشنطن لإيران بإخراج قواتها من سورية تحت أيّ ظرف، وإنما هذه ذرائع أميركية بغية إطالة أمد الحرب في سورية، وتعطيل أيّ حلول سياسية تخص الأزمة السورية.
بين سورية وإيران الكثير من الترابط السياسي والعسكري والاقتصادي والديني، حتى أنّ المعادلات الاستراتيجية التي تجمع دمشق وطهران، هي عميقة بعمق الجذور التي زرعها الرئيس الراحل حافظ الأسد في العلاقة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وعليه فإنّ عمق هذه العلاقات، لا يمكن تجاوزه في أيّ مسار سياسي وعسكري وعلى مختلف الأصعدة، ولعلّ البروباغندا الأميركية التي تقوم بتسويق الهيمنة الإيرانية على دمشق وقرارها، تأتي في إطار وضع العصي في عجلات الحلّ السياسي، كما أنّ الحديث عن محاولات إيرانية لتشييع المجتمع السوري، تصبّ في ذات الإطار الأميركي الفتنوي، لكن الحقيقة تقول بأنّ الإدارات الإيرانية تتعامل مع دمشق من منطلق المصالح المشتركة، مالياً واقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، خاصة أنّ طبيعة المجتمع السوري المنفتح نوعاً ما، لا تسمح لما يُشاع على التطبيق واقعاً. ولعلّ الخشية الأميركية التي تناور على جوانب هذه الادّعاءات، تنطلق من أنّ دمشق وطهران تؤسّسان لمنظومات مقاومة ضدّ «إسرائيل» والتواجد الأميركي في سورية، لكن كلّ هذا يبقى تحت غطاء الجيش السوري وقيادته العسكرية وعلى رأسها الرئيس الأسد.
صحيح أنّ الانتصار السوري بات قاب قوسين أو أدنى، لكن الصحيح أنّ طبيعة المرحلة القادمة تفترض استمرار التنسيق الأمني والعسكري والاستخباراتي بين دمشق وطهران، وأكثر من ذلك، فإنه يمكننا القول، بأنّ الجيش السوري قادر في الميدان على حسم أيّ معركة، دون مساعدة أيّ من حلفائه عسكرياً، لكن كما شأن معظم جيوش المنطقة، حيث أنّ تواجد الخبراء العسكريين، هو أمر بغاية الأهمية، للتنسيق والتشاور ووضع الخطط الإستراتيجية، ولعلّ المطالبات الغربية حيال خروج القوات الإيرانية من سورية، يأتي ضمن إطار المناورات السياسية، الرامية أصلاً لتعطيل أيّ حلّ سياسي، أو مقايضة هذا التواجد بمشاريع إعادة الإعمار القادمة، أو رفع العقوبات الغربية عن دمشق. وبالتالي هذا إرهاب ضدّ سورية وضدّ قرارتها الاستراتيجية، ولعلّ الرئيس الأسد قد حسم هذا الأمر بقوله في وقت سابق، إنّ مسألة التواجد الإيراني في سورية هو أمر يخصّ سورية وشعبها، ولا يمكن لأيّ قوى المطالبة بإخراج القوت الإيرانية من سورية قبل إخراج قواته المتواجدة بطريقة غير شرعية. وعليه فإنّ إيران وتواجدها في سورية لن يكون إطلاقاً معطلاً لأيّ حلّ سياسي، بل على العكس، لأنّ المعادلة السورية الإيرانية هي ذات عمق استراتيجي مؤسّس لجملة من الحلول السورية والإقليمية، والقادم من الأيام سيثبت ذلك…
د حسن مرهج