لعل الكثير من الإعلاميين باتوا على معرفة بالخرائط “الداعشية” التي رسمت فيها أشكال جديدة لعالم عربي وإسلامي يندرج تحت عنوان دولة الإسلام، وهي في كل الأحوال تتفق مع ما وضعه برنار لويس الذي تجاوز عمره المائة عام تقريبا من تقسيمات لبلاد العرب.
شعر “الداعشيون” في بدايات دورهم أن ما رسموه على الورق بدأ يعطي ثماره، وخصوصا بعد أن تلقوا الدعم من الدولة العظمى ومن دول أخرى، وكان الرهان على أن إيصالهم إلى غاياتهم سوف يعني إقامة تلك “الدولة” وتحقق شروطها.
ربما ساعد “الداعشيون” ما جرى في الساحات العربية من تخريب منهجي، وفي العراق تحديدا إسقاط صدام حسين، وكان سقوط مدينة الموصل بأيديهم بمثابة الترجمة الرابحة لخطتهم. وهكذا بدا العالم وكأنه يدخل فعلا دورة جديدة لنظام يريد، ليس فقط التغيير، بل اقتلاع وتدمير كل ما هو قائم من تاريخ وحضارة وقيم وأخلاق وسياسة ونظام اجتماعي إضافة إلى التغيير الجغرافي. من هنا رأينا ممارسات العنف التي قدمها “داعش” من حرق وقتل وسحل وتفنن في عمليات الإعدام والإبادات الجماعية وصلب وتدمير، حتى أنه في مدينة الرقة السورية المهدمة كليا من قبل هذا التنظيم، تم تدمير البنى التحتية فيها في عملية مدروسة لا سابق لها.
كادت الخطة “الداعشية” أن تنجح لولا حالة الاستبسال للجيش العربي السوري، وللقوى العراقية المسلحة بكافة أشكالها، إضافة إلى المهارات التي أضافتها تنظيمات أخرى مساعدة. ورغم التدمير الهائل الذي أوقعته معارك تنظيف البلدين من “الداعشية”، إلا أن المهم في ذلك كان القضاء على وجودها.
كانت المعلومات تشير إلى أن الأميركي قام بعملية إنقاذ لقيادات “داعش” عبر طائراته المروحية التي حطت في أكثر من مكان داخل سوريا والعراق، بل حمى مئات القيادات من سوء المصير حين شعر أن نهايتهم باتت وشيكة، فإما الاستسلام أو الموت.
تنفس العالم الآن لكن “الداعشيين” ما زالوا طلقاء، فمن أماكن تجمعاتهم إلى ما يسمى بالذئاب المنفردة، هم الآن تجمعات صغيرة مرمية هنا وهناك، يراد لها أن تلعب دورا ما في وقت ما، إذ ما زال الرهان عليها لتكون المخرب للمنطقة، ولإضفاء جو من الفوضى المدروسة، ومن حرمان أهل المنطقة من العيش بسلام لمدة غير معروفة، في الوقت الذي يتحقق فيه العكس لإسرائيل، أمانا وازدهارا والمزيد من القوة، أمام مشهد عربي زيادة في التفتت والتقاسم والتقسيم.
الآن يقال إن هنالك انقلابا حصل على زعيم “داعش” أبو بكر البغدادي، ومهما يكن الخبر صحيحا أو كاذبا، فالمسألة تعني أن هؤلاء الإرهابيين ما زالوا موجودين بيننا، وفي ربوع بلادنا، لهم دور مرسوم لم ينته أجله وقد لا ينتهي، بل هو مرتبط بوجود الكيان العبري على ما يبدو وكما تدل تحليلات فيها الكثير من هذا المنطق.
“داعش” الآن إذن في حالة بعثرة، وهو في محاولة دؤوبة لإعادة قراءة ما جرى، إضافة إلى رسم صورة جديدة له، أقلها أعادة الجسم المفتت إلى طبيعته وتحديد المرحلة المقبلة. فمن استولد هذا التنظيم لن يسمح بقتله نهائيا، ومن وضع له الدور، لن يسمح بالقضاء عليه .. ليس هنالك ولادة تنظيم بهذا الحجم وبهذه القوة وهذا الأداء القتالي مع نوعية سلاحه، إلا وكان وراءه أم وأب.
زهير ماجد – الوطن العمانية
Discussion about this post