المصلحة الوطنية هي القاعدة التي تنطلق منها العلاقات الدولية بعيدا عن العواطف و المشاعر باتجاهاتها المختلفة وحتى المبدئية منها . فالمبادئ والعواطف ليست هي من يحرك هذه العلاقات ، بل المصلحة هي الدافع والمؤثر والفاعل . وتاريخ اندماج كل من الولايات المتحدة وايران في العلاقات الدولية ، يشير الى ان الدولتين هما من اكثر الدول ممارسة لهذه القاعدة في علاقاتهما الخارجية سواء بسبل الحرب او بسبل السلام .
وعندما بدات العلاقات بين البلدين طور التوتر والحرب الكلامية وقرارات المقاطعة او العقوبات والرد عليها في عهد ترمب ، فهذا يعني ان دوافع المصالح قد تباعدت وذهبت كل منها في طريق مختلف ، بعكس ماكانت قيادتا البلدين قد حددته ورسمته على الخريطة الشرق اوسطية ، سواء في عهد اوباما ام عهود ما قبله من الرؤساء في البيت الابيض .
وعندما نلاحظ ما يجري على سطح هذا التوتر ، فان موقف واشنطن يصبح مفهوما ومبررا ، ومثله موقف طهران. فكلا الطرفين يرى ان مصالحه قد تم المس بها و مهددة ، ولابد من الدفاع عنها .
وتاريخ العلاقات الامريكية الايرانية وخاصة بعد ثورة الخميني ملئ حتى العنق بالتناقضات وعدم الاستقرار او الوقوف عند خط واضح يمكن فهمه او تبريره . فقد انتقلت هذه العلاقات اكثر من مرة من اتجاه الى الاتجاه الذي يناقضه. واخر دليل على ذلك توافق البلدين اثناء الحرب الاخيرة على العراق لاسقاط صدام حسين ، وربما هذا التوافق او التعهدات السرية الضمنية او المعلنةا مازالت قائمة . ولذلك فانه لايمكن الاستنتاج مهما حدث ، ان علاقات البلدين قد وصلت الى القطيعة النهائية .
واشنطن دائما ما تحدد اعداءها الطارئين بحذر وتحفظ . وتسلحها وحركتها الدبلوماسية مستمرة وضرورية كدولة عظمى. وطهران طالما التزمت بسياسة الغموض في الاجابة على سؤال يحدد من هم اعداؤها . فتسلحها الحالي اقل من ان يكون موجها الى واشنطن لهزيمتها ، وهو ايضا اكثر مما تتطلبه اي حرب مع جيرانها فرادى او مجتمعين . وهنا يصبح غير المعروف وغير المفهوم في سياسة طهران موضع تساؤلات وشكوك .
كلا الطرفين الولايات المتحدة وايران ، يرى انه من الجنون في الوقت الحاضر على الاقل اللجوء الى الحرب بالسلاح .لان مثل هذه الحرب ، ستكون حربا لانهاية لها ، وان وصلت الى نهاياتها فانها تكون قد ازالت من الوجود الكثير مما هو موجود. واكثر من هذا فان الحسم فيها بالانتصار او الهزيمة اشبه بالمستحيل ، لعوامل تتعلق بامكانات البلدين وتعدد المتغيرات على الارض ماديا وبشريا.
ولاشك ان كلا البلدين خبيران بالنزول عن حافة الهاوية في اللحظة الاخيرة . وهناك ابواب وطرق مفتوحة لكل منهما لممارسة هذا الاسلوب وتجنب الحرب . فالرئيس الامريكي اعلن استعداده للجلوس مع الرئيس الايراني دون شروط مسبقة . ورفض ايران لهذا العرض هو مناورة مؤقته لايمكن تحمل استمرارها وعواقبها عندما تتدحرج التطورات نحو الخطر . ولذا فان ايران ستتخلى عن هذه المناورة في لحظة ما ، وتقول للامريكيين ها نحن نجلس معكم ماذا تريدون ؟ وعندها تدور عجلة التفاوض وترتفع الايدي عن الزناد ، ويبقى التفاوض هو الاسلوب الذي يمكن من خلاله لطهران على الاقل انهاء او وقف الحرب الاقتصادية والدبلوماسية شديدة الوطأة التي تشن واشنطن ضدها ، اذ لايمكن لطهران ان تتحمل هذه الحرب بنتائجها المدمرة على نظامها وشعبها الى مالا نهاية .
ولهذا ، فان النظر بعمق الى طبيعة صراع البلدين وظروف كل منهما وتاريخ ممارستهما للسياسة والعلاقات الدولية ، يشير الى ان البلدين اقرب الى التفاوض وابعد عن الحرب ، بحيث يمكن القول ان المراهنة على حرب امريكية بالسلاح ضد ايران ، هو نوع من انواع عدم الوعي لاسس ممارسة الدولتين للتعامل مع الدول الاخرى وخاصة الجانب الصراعي منها.
الدستور الاردنية – عبد الحميد المجالي
Discussion about this post