إنها المرأة التي كلٍ مننا يحب أن ينسب نفسه إليها بسبب شجاعتها و عظامتها. وصلت إلى الحكم في عهدٍ كان مقام المرأة فيه جداً ضعيف. كانت أمها ترجع بنسب إلى كليوباترا في مصر، ولدت زنوبيا في تدمر وتأدبت في الإسكندرية فدرست تاريخ الإغريق والرومان وتخلقت بأخلاق كليوباترا وبطموحها، وكانت امرأة هاجسها المجد والسلطان.
اعتلت العرش نيابة عن ولدها "وهب اللات" وقادت الحكم والشيوخ والحروب، كما قادت أعمال الإعمار والبناء، وأكثر الآثار القائمة حتى اليوم في تدمر، يعود الفضل في تشييدها إلى هذه الملكة التي حكمت تدمر منذ اللحظة الأولى التي اعتلى فيها زوجها العرش على تدمر. فلقد كانت بذكائها وقوة شخصيتها قادرة على توجيه الحكم إلى حيث ما ترسم من مجد لتدمر ولسلطتها. وعندما اعتلت العرش كانت لا تخفي رغبتها أن تصبح يوماً إمبراطورة على روما ذاتها، ولم يكن الأمر صعباً، إذ أن أكثر أباطرة روما كانوا قد وصلوا إلى العرش عن طريق نفوذهم العسكري أو السياسي في مناطقهم النائية. وكانت زنوبيا تعد أولادها وهب اللات وتيم الله وحيران لاعتلاء العرش، وذلك بتعليمهم لغة روما وآدابها وتاريخها. واتخذت مظاهر القياصرة فكانت تركب مركبة ملكية تضاهي مركبة القياصرة، رصعتها بالذهب والفضة والأحجار الكريمة.
كانت زنوبيا تشرف بنفسها على عمليات التوسع والإنشاء. وتنتقل على ظهر فرسها تلبس لباس الرجال، تسوس دولتها بعين لا تنام ولا تغفل، وبعزيمة ترهب الرجال، وعلى الرغم من حجم إنجازاتها الحضارية ومن تحركاتها المجهدة، فإنها لم تنس يوماً حلمها بالتوسع في آسيا ومصر وروما، فلقد وصلت جيوشها إلى بيزنطة في العصر الروماني وقتلت هيراكليون قائد القصر. ثم فتحت الإسكندرية، وكانت روما قلقة جداً من توسعاتها الظافرة.
لم تدم مملكة زنوبيا إلّا بضعة سنوات إثر خيانات لها و هزيمتها في معركة أنطاكية من قبل حاكم روما أوريليانوس، و مصيرها يبقى غامضاً إلى هذا اليوم. البعض يقولون أنه تم القبض عليها من قبل الرّومان و أخذها إلى روما بالسلاسل و محاكمتها و إعدامها هناك، و البعض يقولون أن أوريليانوس، معجباً بجمالها و عزمها السّاحق، حررها، و عاشت بقية سنوات حياتها تحت اسم مزيّف كإمرأة رومانية نبيلة، و البعض الآخر يقولون أنها سممت نفسها قبل وصول الرّومان إليها لتموت بشرف.
مشاكل الحاضر دائماً لها مصادر تاريخيّة علماً أنه لا يوجد حاضر من غير ماضي و لا يمكننا معالجة الحاضر و المسير باتجاه مستقبل احسن من غير النّظر إلى و التّعلم من أخطاء الماضي. لو نجحت زنوبيا بهدفها للوصول للإمبراطوريّة و حكمت روما بأكملها، كيف تتخيلون أنه كان سيغيّر مسار التّاريخ و كيف كان سيكون حال بلاد الشّام اليوم؟
سنمار سورية الاخباري – رصد
Discussion about this post