من المقرر أن تنطلق غدا القمة الافتراضية حول “الديمقراطية” التي دعا إليها الرئيس الأميركي جو بايدن، بعد توجيه دعوات لأكثر من مئة دولة كلها تسير خلف السياسة الأميركية، فيما تم استبعاد العديد من الدول المناهضة لسياسة الهيمنة الأميركية وعلى رأسها روسيا والصين، وبمجرد أن نعرف من دعي أمريكياً إلى هذه القمة، ومن تم استبعاده، نفهم بأن لا علاقة لهذه القمة بالديمقراطية، لا من قريب، ولا من بعيد، اللهم إلا من حيث التسمية، بل لعل الأخطر هنا عندما تزعم أمريكا ونظامها المارق بأنها أم الديمقراطيات، وعليه فإنها تقود عملية محاربة الدول الأخرى الرافضة لنهجها الاستعماري، بعد أن وضعتها مسبقا في خانة الدول “الشريرة”، دون أن ندري من أعطى الحق للإدارة الأمريكية لتصنف الدول وتقيمها على هواها، ووفق مصالحها العنصرية الإقصائية الضيقة. ووفق البيت الأبيض ستعقد القمة الافتراضية يومي 9 و10 كانون الأول، وستضم التزامات ومبادرات تتمحور حول ثلاثة محاور رئيسية، ألا وهي الدفاع ضد “الاستبداد ومكافحة الفساد وتعزيز احترام حقوق الإنسان”، وبعد عام من التشاور والتنسيق والعمل، يدعو بايدن بعد ذلك قادة العالم للاجتماع مرة أخرى لاستعراض التقدم المحرز بالمقارنة مع التزاماتهم. ويبقى السؤال: أليس الأجدر بأمريكا بايدن، أن تفهم ماهية الديمقراطية أولاً، وتلتزم بها ليس فقط كشعار، وإنما كممارسة، وتطبيق، وسلوك ميداني بالنسبة للداخل الأمريكي، قبل أن تنظر علينا، وتصدع رؤوسنا بكلام لا محل له من الإعراب الميداني؟!، ماذا يمكن أن نسمي ما حدث في مبنى الكابيتول في 6 كانون الثاني الماضي؟!، أين الديمقراطية في ذلك المشهد الدموي والكارثي على حد سواء؟!، ثم ماذا عن حقوق الناخبين الأمريكيين، وعنف الشرطة إزاء المحتجين، وقضايا العرق، وغيرها الكثير من الأزمات الخانقة التي تعري الأمريكي، وتفضح أجنداته الكاذبة؟!. هل قمة بايدن الافتراضية “ديمقراطية” بالفعل كما يشير اسمها، أم سياسية ترفع شعار الديمقراطية كسلاح لخدمة مصالح الكاوبوي الأمريكي في مواجهة روسيا والصين؟، فيكفي أن تتزعم أمريكا هكذا قمة، ويكفي أن تستبعد كلاً من موسكو وبكين، وتدعو تايوان وكيان الاحتلال الإسرائيلي الغاصب للمشاركة فيها، لنعي جيداً ماهية هذه القمة، وما الذي تحاول تمريره ما بين السطور من نزعة فتنوية احتلالية وتقسيمية هدامة، وترسيخها في الكواليس الدبلوماسية والسياسية العالمية منها، والأوروبية، والإقليمية. على الصعيد الأمريكي وبحسب مجلة ناشونال إنترست الأميركية فإن رؤية بايدن للسياسة الخارجية على أنها منافسة بين ديمقراطيات العالم بقيادة الولايات المتحدة وبين ما يسمى “الأنظمة الاستبدادية” تأطير ساذج وخطير للعلاقات الدولية. وذكرت المجلة في تقرير للأكاديمي والباحث في العلاقات الدولية ساشا غلايزر بأن قرار إدارة بايدن بصياغة سياستها الخارجية على أساس أيديولوجي يرتكز على قاعدة “نحن مقابل هم” بدلا من السعي وراء تحقيق المصالح الأميركية الأساسية مقدر له أن يقود إلى طريق يجعل الشعب الأميركي أقل أماناُ وازدهاراُ. أما على الجانب الروسي فقد أكد المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف في 24 تشرين الثاني 2021 في مؤتمر صحافي أن الولايات المتحدة تفضّل خلق خطوط تقسيم جديدة، قوامها تفريق الدول بين تلك الجيّدة بحسب زعمها، وأخرى سيئة”. أما بكين فقد أبدت هي الأخرى امتعاضها واستياءها من هذه القمة، حيث أكد جيانغ تشيوان، مدير مكتب أبحاث السياسات في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني أن هدف القمة هو قمع الدول الأخرى وتقسيم العالم إلى معسكرات مختلفة، مشيراً إلى أن الديمقراطية ليست براءة اختراع للغرب، ولا يمكن له تعريفها، لأن الديمقراطية الغربية يهيمن عليها رأس المال، وهي ديمقراطية الأغنياء، وليست حقيقية وهم يحاولون فرض نموذجهم على بلدان أخرى بينما ثورات السود والملونين في السنوات الأخيرة أدت إلى كوارث للسكان المحليين. هذا وأشار المسؤول الصيني إلى استطلاع أجراه مركز بيو للأبحاث، قال إن 57 في المئة من المشاركين في جميع أنحاء العالم و72 في المئة من الأميركيين يرون أن الديمقراطية في الولايات المتحدة لم تكن نموذجاً جيداً في السنوات الأخيرة، بينما يشير استطلاع آخر إلى أن 81 في المئة من البالغين في الولايات المتحدة يذهبون إلى أن مستقبل الديمقراطية الأميركية في خطر. ويمكننا الجزم هنا أن الديمقراطية الأمريكية الزائفة لا تحتاج إلى أي إثبات بل باتت حديث القاصي والداني، وحول ذلك شدد الباحثان في المجلس الأطلسي دانيال فرايد وروز جاكسون، على أنه وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة كانت غير متسقة وأحياناً منافقة في دعمها للديمقراطية على مستوى العالم، إلا أن رؤساء كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي يواصلون دائماً العودة إلى استخدام الديمقراطية في مواجهة الخصوم.
منصة إعلامية إلكترونية تنقل الحدث الإخباري بشكلٍ يومي تعني بالشؤون المحلية والعربية والعالمية تشمل مواضيعها كافة المجالات السياسية والثقافية والاقتصادية إضافة إلى أخبار المنوعات وآخر تحديثات التكنولوجيا