الازدواجية التركية أصبحت واضحة المعالم للقاصي والداني في حقيقة التعامل مع الأوضاع الراهنة في المنطقة واستغلالها لمجموع الاضطرابات والحركات التي اجتاحت المنطقة.
ومن اجل تعزيز نفوذها بحثت عن مسارات يمكن ان توصل بأهدافها الى أدوار لتحقيق ذلك فسارعت الى دعم الخطاب المتطرف الإرهابي إعلاميا عبر منصات الدعاية ودعم القواعد العسكرية ولم تغفل تعزيز العلاقات مع الكيان الإسرائيلي بخلفية المعادي لهذا الاحتلال والرفض القاطع لممارساته في دولة فلسطين المحتلة في وقت وصلت الاتفاقيات والتعاون بين الحليفين لأكثر من 60 اتفاقية.
وهنا السؤال المطروح عن الدعم الكامل التي تتلقاه حكومة الاحتلال من راس النظام التركي اردوغان من خلال الكميات الضخمة من الاسمنت والحديد للمساهمة في تشييد المستوطنات الإسرائيلية والاستمرار في توظيف الدعم في الحروب الثلاثة ضد قطاع غزة
لقد فشلت تركيا في تحقيق أهدافها في المنطقة وخارجها، من خلال «الوسائل الناعمة» المتمثلة في الفوضى والشعارات الزائفة، وما سميت «الثورات البرتقالية»، و«الربيع العربي»
وعادت لـ«الوسائل الخشنة»، التي تعتمد على استغلال الظروف الداخلية والإقليمية للدول الأخرى في الابتزاز، للحصول على القواعد العسكرية، أو التواطؤ مع أنظمة مارقة ضد الأمن القومي العربي.
وتزامن ذلك من خلال الدعم الكامل والاحتضان للمرتزقة من المجاميع الإرهابية والمليشيات العابرة للحدود ودعمها لمشروعات تنظيم الاخوان المسلمين في المنطقة والعالم.
في العام 2011 ايقنت تركيا ان دورها قد بدء في تجميع الهيكلة العثمانية المتأكلة عبر سنوات الزمن وسارعت الى ارسال الجند وبناء القواعد العسكرية في قطر عام 2017 رغم الخلاف بين الدوحة والرباعي العربي
ويرى المراقبون أن القاعدة التركية في الدوحة تعد احتلالا بوجه مكشوف، وأن قطر تواصل سياسة الاستقواء بالخارج ضد جيرانها العرب، وتحولت إلى مجرد ديكور سياسي في اللعبة التركية ضد الأمن القومي العربي.
لذلك فان الوجود التركي بهذا المعنى هو عنصر عدم استقرار وتهديد لأمن المنطقة ومستقبلها
من جانب أخر فإن تركيا ترفض أي حلول سياسية للأزمة القبرصية منذ عام 1974، وتعتبر قواعدها بشمال قبرص في غاية الأهمية لاستراتيجيتها في شرق المتوسط خصوصاً بعد اكتشاف قبرص احتياطات ضخمة من الغاز والنفط في المياه القريبة من الجزيرة.
وزادت هذه الأهمية بعد انتشار الفوضى في البلاد العربية وانتشار الثورات الملونه مع بداية 2011 خصوصاً عندما نقلت تركيا آلاف الإرهابيين من ليبيا إلى سوريا أواخر 2011 وبداية 2012 «خط الجرذان الأول»، حيث جرى نقل جزء من هؤلاء الذين حاربوا ضد نظام معمر القذافي في بدايات عام 2011 إلى سوريا والعراق، وقامت تركيا بنقل قادة المجموعات المسلّحة من ليبيا إلى القواعد التركية في شمال قبرص، وبعد ذلك تم نقلهم إلى سوريا
ووفق الموقع الرسمي لشركة «صادات» الأمنية التركية، التي تجنّد المرتزقة والإرهابيين في شمال سوريا والصومال وآسيا الوسطى وغيرها فإنها تأسست في عام 2012 وتعمل حتى الآن في 20 دولة، منها 7 دول عربية و10 دول في أفريقيا ودولتان في آسيا الوسطى.
وتقوم هذه الشركة بالتعاقد مع المرتزقة، الذين يذهبون إلى ليبيا أو قطر حتى لا يكون هناك رابط رسمي بين المرتزقة والميليشيات من جانب والدولة التركية من جانب آخر، وهو أسلوب قديم جديد، فالمعروف أن الانكشارية «المرتزقة» غير النظاميين هم الذين ظلوا يحاربون عن الدولة العثمانية لقرون، ويوجد معسكرات تدريب لشركة «صادات» في مدن بطمان وأورفه وفان وهطاي، ولكن أهم معسكر يقع في غابات ديار بكر، واستخدمت تلك المعسكرات لتدريب عناصر من تنظيم داعش و«أحرار الشام» و«النصرة» و«الذئاب الرمادية» على أساليب القتال والحروب غير النظامية لنشر الخراب في المنطقة العربية.
ووصفت الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا، هذه الشركة بمثابة الحرس الثوري التركي، التي تدين بالولاء لأردوغان، وتتولى حماية نظامه واختيار العناصر العسكرية، التي تتقرب منه والمناصب القيادية في الجيش، وهي تتحكم الآن بمفاصل الجيش التركي بجانب عملها في الخارج.
الرئيس التركي حول بلاده من دولة «صفر أعداء» إلى بلد منبوذ ومعزول «صفر أصدقاء»، كما قال رئيس وزرائه الأسبق أحمد داود أوغلو، واليوم هناك أكثر من 40 دولة حول العالم تعادي وتتصارع مع تركيا على المستوى الاستراتيجي، وهي بالأساس دول الجوار العربي والآسيوي والأوروبي، ودول بعيدة في أفريقيا وأوروبا.
وكما تذرع هتلر بسمو الجنس الآري يعتقد أردوغان أن أنصاره من تنظيم الإخوان والحالمين بعودة الإمبراطورية العثمانية يجب الذهاب إليهم والعمل معهم حتى لو كانت النتيجة تحدي كل القوانين الدولية.
ويعتقد أردوغان بأنه بات قريباً من تحقيق حلم شمال سوريا على غرار ما تحقق للقوميين الأتراك بغزو قبرص عام 1974 عندما تحولت شمال قبرص تدريجياً لدويلة تركية على 40 % من مساحة الجزيرة القبرصية، ويرابط فيها 45 ألف جندي، وبات من المستحيل توحيد الجزيرة في ظل سياسية أردوغان الحالية.
ازدواجية المواقف والتصريحات التي يطلقها الرئيس التركي رجب أردوغان، واستخدامه سياسة «الغموض»، التي تلعب على حبلي السر والعلن، لم تعودا خافيتين على أحد، فكثيراً ما تباكى أردوغان على أوضاع الشعب الفلسطيني خصوصاً خلال الحروب الإسرائيلية الثلاث ضد قطاع غزة، وهدد مراراً وتكراراً بإنهاء أو تخفيض مستوى علاقات بلاده مع إسرائيل بسبب حروب غزة، لكن كل ذلك لم يتعد الاستهلاك الداخلي والمواسم الانتخابية ومقتضيات مساعيه لينصّب نفسه السلطان العثماني.
وفي الوقت الذي ينعت غيره بالصهيونية والنعوت الفارغة، تؤكد مفردات التعاون التي صاغها أردوغان مع إسرائيل أنه كان ولا يزال السند الأقوى لتل أبيب في المنطقة
منصة إعلامية إلكترونية تنقل الحدث الإخباري بشكلٍ يومي تعني بالشؤون المحلية والعربية والعالمية تشمل مواضيعها كافة المجالات السياسية والثقافية والاقتصادية إضافة إلى أخبار المنوعات وآخر تحديثات التكنولوجيا