سيعاني العالم أزمة اقتصادية غير عابرة، وستتضرَّر شركات أميركية كبرى، إذا ما قرّرت روسيا الردّ على العقوبات المفروضة عليها بمنع تصدير مواد كيميائية معينة.
لا يندرج التهويل الإعلامي الغربي ضد روسيا في إطار الحرب النفسيّة فقط. طول أمد الحرب يُنذر بكارثة عالميّة على أكثر من صعيد، نظراً إلى كلفة هذا الخيار، وخصوصاً إذا ما قرَّرت موسكو استخدام أيّ من أوراقها الاستراتيجية غير النووية، والتي قد يكون لبعضها أثر نووي!
تعاني الأسواق العالميّة منذ ما قبل جائحة “كوفيد 19” أزمة صامتة، نتيجة نقص أشباه الموصلات الإلكترونية “Semiconductors”. أحد أسباب هذا النقص كان ارتفاع الطلب على البطاقات الرسومية المستخدمة بكثرة في تعدين العملات الرقمية المشفرة، إضافةً طبعاً إلى ازدياد إنتاج خطوط الهواتف والسيارات الذكية، ثم حلَّت جائحة كورونا، وازدادت معها حدة الأزمة في تأمين أشباه الموصلات الإلكترونية، بسبب النقص في اليد العاملة في مجال سلاسل التوريد.
تستهلك الولايات المتحدة الأميركية وحدها 8 ملايين طنّ سنوياً من غاز “سداسي فلوروبوتادين” (Hexafluoro-1,3-butadiene C4F6) السّام، عديم اللون والرائحة والقابل للاشتعال، والذي يُستخدم في تصنيع أشباه الموصلات في المراحل الحرجة.
البالاديوم هو عنصر كيميائي (رقمه الذري 46) على شكل معدن فضّي أبيض نادر ومشتعل، يُستخدم أيضاً في صناعة أشباه الموصلات الإلكترونية. نيون هو عنصر كيميائي آخر على شكل غاز بلا لون أو رائحة، ويستخدم أيضاً بشكل واسع في الصناعات الإلكترونية.
روسيا هي المصدر الأول في العالم لهذه العناصر الكيميائية التي يشتريها أيضاً المورّدون في الولايات المتحدة لتزويد كبرى مصانع الإلكترونيات بها، وهي المصانع العاملة في مجال الطاقة الشمسية والإنارة والمستشعرات والذاكرات الإلكترونية وعوادم السيارات وعشرات الصناعات المتقدّمة.
ماذا لو قرَّرت روسيا وقف تصدير أيّ من هذه المعادن أو الغازات، مع الإشارة إلى أنَّ بعض عمليات تجهيز الغازات للتصدير العالمي كانت تتمّ في مرحلة ثانية في أوكرانيا بعد استيرادها من روسيا!؟ الإجابة عن هذا السؤال مباشرة: سيعاني العالم أزمة اقتصادية غير عابرة، وستتضرَّر شركات أميركيّة كبرى.
اللافت أنَّ الإدارة الأميركيّة لم تكن لتلتفت إلى خطوة الذهاب بعيداً في فرض عقوبات اقتصادية على روسيا، لو لم تنشر شركة “تك ست” (Techcet) الاستشارية الأميركية تقريراً موجزاً تحذّر فيه من أنَّ الصناعات الإلكترونية الأميركية ستكون في خطر في حال قررت روسيا الامتناع عن تصدير المعادن النادرة أو الغازات المستخدمة في الصناعة.
ومن الصَّعب تأمين بديل من روسيا لتوفير المواد الكيميائية الآنفة الذكر، فموسكو تؤمّن للعالم 45% من حاجته من معدن “بالاديوم” على سبيل المثال، فضلاً عن أنَّها تمتلك أكبر احتياطي من هذا المعدن النبيل. كما أنَّ روسيا تمتلك أكبر احتياطي عالمي من غاز “نيون” الشهير، وتسيطر على 90% من إمدادات هذا الغاز.
وبالتالي، إنَّ مسارعة شركات التكنولوجيا إلى مقاطعة روسيا هي خطوة متسرّعة غير مدروسة العواقب، ولا تقتصر نتائجها على روسيا أو الدّول التي تنتمي إليها هذه الشّركات، بل على أسواق عالمية بكاملها.
منصة إعلامية إلكترونية تنقل الحدث الإخباري بشكلٍ يومي تعني بالشؤون المحلية والعربية والعالمية تشمل مواضيعها كافة المجالات السياسية والثقافية والاقتصادية إضافة إلى أخبار المنوعات وآخر تحديثات التكنولوجيا