كما كان متوقعاً فقد تعجّل المجمع الامني العسكري الصهيوني في استغلال المرحلة الانتقالية التي تسبق تشكيل الحكومة الجديدة، ليكثف ضرباته في سوريا بموافقة أكيدة من رئيسي وزراء الكيان السابق لابيد والمكلف نتنياهو (وببصمة واضحة للأخير)، ففي أقل من أسبوع، استهدفت طائرات وصواريخ صهيونية قافلة شاحنات تحمل وقودًا لمصلحة الحكومة اللبنانية، وبعدها بأربعة أيام تم استهداف مطار الشعيرات شرقي حمص برشقة مكثفة من الصواريخ التي أطلقت من طائرات حلّقت فوق الأراضي اللبنانية.
هذا التصعيد جاء على وقع النقاش الواسع في الكيان المؤقت حول انعكاس فرضية التعاون العسكري الصهيوني الأوكراني على العلاقات مع روسيا، وبالتالي على حرية عمل الطائرات الحربية الصهيونية في الأجواء السورية.
في الوقت الذي أشاع فيه الصهاينة أن سحب موسكو لآخر منظومات الدفاع الجوي الروسي طراز S300 من الميدان السوري هو تصريح أو إغراء روسي للعدو بمبادلة عدم التعاون الصهيوني الأوكراني بفسح الأجواء السورية أمام الطائرات الحربية الصهيونية لمعاودة عملياتها التي تندرج تحت عنوان (المعركة بين الحروب) والتي اعادت المؤسسة العسكرية والأمنية الصهيونية دراستها وتطويرها، مدخلة أهدافًا تكتيكية وتعبوية جديدة ضمنها تتمثل بـ:
توسيع جغرافية الاستهداف في الميدان السوري.
الاستمرار في المس بالموارد العسكرية الإيرانية في سوريا.
انفاذ عملية رقابة استطلاعية شاملة على التحركات الايرانية وتلك التابعة لمحور المقاومة على التراب السوري.
منع أي موارد قادمة لمصلحة إيران وحلفائها من إيران عبر العراق مهما كان نوعها (عسكرية أو مدنية).
منع إيران وحلفاءها من تطوير أي منشآت تستخدم للأغراض العسكرية و(الايديولوجية) في سوريا.
المس قدر الإمكان بالمنشآت الإيرانية الموجودة حالياً في سوريا.
منع إيران من تطوير ومساعدة سوريا في مجالي الدفاع الجوي والصاروخي.
استهداف مراكز القوة العسكرية السورية ذات البعد المؤثر على الكيان المؤقت.
تثبيت مبدأ الرقابة المستمرة على الخط البري المتصل من إيران إلى لبنان عبر العراق وسوريا والمس بأي موارد تمر عبره في الميدان السوري.
تعطيل محاولات الحكومة السورية للالتفاف على العقوبات الشاملة المفروضة على سوريا بموجب قانون “قيصر”.
مما تقدم، ينبغي قراءة الاستهدافين المتتاليين لسوريا ضمن منهجية استهداف صهيونية واحدة ترتبط بالتحديث الذي أدخله الصهاينة على استراتيجية (المعركة بين الحروب) وسياسة نتنياهو الجديدة في سوريا وضد محور المقاومة.
فالضربة الأولى التي حاول الصهاينة التملّص منها بعد انكشاف الطبيعة المدنية للهدف المستهدف (قافلة شاحنات الوقود)، عملوا على إطلاق دعاية تضليلية واسعة تشبه التغطية الدخانية، ساعدهم فيها جهاز الدعاية الامريكي من خلال الادعاء بأن القافلة المستهدفة تحمل موارد ذات طبيعة عسكرية، أطلقت فيها جوقة الاعلام الصهيوني الخليجي الامريكي العنان لمخيلة الكتاب الذين تراوحت ادعاءاتهم بين استهداف صواريخ مجزأة (كاسرة للتوازن) كانت في طريقها لحزب الله، وبين قصف معدات فنية ترتبط بصناعة الصواريخ الدقيقة، وبين ادعاءات باستهداف قافلة تحمل وقوداً للصواريخ، في استفادة من اعلان تلفيقي للقيادة الوسطى الامريكية التي أعلنت أنها ضبطت قاربًا محملًا بـ 600 طن من الوقود الخاص بالصواريخ في الخليج، كان مرسلًا من إيران لمصلحة حكومة صنعاء، فيما كانت كل التلفيقات تغطي هدفًا صهيونيًا واضحًا، يخدم بشكل أكيد مصالح واشنطن في سوريا ويرفع عنها كثيرًا من الحرج، ويتمثل بالمس الصهيوني الدائم بالمعابر بين سوريا والعراق، وهو منع أي موارد قادمة من العراق إلى سوريا مدنية كانت أم عسكرية.
الضربة الثانية كانت رسالة لطهران ولموسكو، بأن الكيان المؤقت لن يسمح بأي تطوير للقوات الجوية أو لوسائط الدفاع الجوي السوري، فضلاً عن القوة الصاروخية السورية، وأن هذا الهدف الجديد بدأ يعتمده في معركته بين الحروب وهو يفتتحه في أهم المطارات العسكرية السورية.
كل ما ورد يحمل بصمات واضحة لنتنياهو، الذي بارك هذا التطوير الجديد في تلك الاستراتيجية ضمناً، دون أن يقوم كعادته بالتفاخر بأبسط عمل كان ينفذه إبان رئاسته السابقة للحكومة فيما يخص سوريا. ولذلك تفسير واضح وهو أن تأبطه ذراعي “إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش”، سيسمح له بتوسيع هامش مناورته في اتجاهين دوليين مؤثرين في السياسة الصهيونية الاقليمية وفق الرؤيتين التاليتين:
أولاً: صياغة رؤية (عملانية) مع الولايات المتحدة الامريكية التي تعاني من مشاكل في المنطقة، وتحديات أمنية وعسكرية كبيرة في سوريا، بحيث يتولى الكيان المؤقت عمل واشنطن “القذر” في الميدان السوري.
ثانياً: إعادة ترتيب تفاهم (سوري) جديد مع روسيا المتورطة بالميدان الاوكراني على حساب الميدان السوري.
الخلاصة والاستنتاج
يخشى كيان العدو أن تسمح الشراكة (الايرانية الروسية) الجديدة والتي تتطور في أكثر من مجال وخصوصاً العسكري بإطلاق يد إيران من خلال إعطاء موسكو لطهران دورها مؤقتاً في سوريا ومساعدتها على تجاوز المشاكل التي كانت روسيا قد أوجدتها لإيران في سوريا من خلال غض النظر عن التدخلات العسكرية الصهيونية المستمرة ضد إيران في سوريا مما فتح شهية العدو وسمح له بتنفيذ مئات الضربات في معركته بين الحروب.
سيعمل نتنياهو جاهداً على استنفاذ جميع أوراقه التي تسمح له بالمناورة لإطلاق يده ضد إيران في سوريا تحضيراً للجولة الأوسع والأكبر والأعمق التي يبدو أنها باتت تدغدغ أحلام نتنياهو وبايدن (الذي أصبح بطة عرجاء) أكثر من أي وقت مضى، وهي الاستعداد المشترك لتوجيه ضربة شاملة للبرنامج النووي الإيراني فيما لو تطورت الأحداث الداخلية في إيران، بحيث تفيد بايدن في التجديد له لفترة رئاسة ثانية وتسمح لنتنياهو بتثبيت حكمه والانتصار على الفوضى السياسية التي يعيشها الكيان المؤقت 7 سنوات، كما تسمح له بتسيّد المنطقة من خلال ما أنجزه وسينجزه من تطبيع مع الدول التي تشترك معه في معاداة وكراهية إيران، والتي ستجعله ملكاً عليها فيما لو أضرّ بشكل كبير بعناصر قوة إيران فيما يحضّر لها أمريكياً وصهيونياً من ضربة قادمة.