كانت القيادات الكردية كانت فاعلة بصورة كبيرة لتحقيق الأهداف الأمريكية؛ نظرًا لقدرة هذه القيادات على التحرك بين الخارج والداخل، وإعداد مسرح العراق الشمالي للغزو. وقد كان تكثيف ذلك التعاون مرحلة أولى في استفادة الأكراد من الوجود الأجنبي، المناهض للنظام في العراق آنذاك.
أما المرحلة الثانية من دور أكراد العراق، فبدأت في أعقاب احتلال العراق، وتنفيذ القيادات الكردية لما هو مرسوم لها. لذلك فإن الولايات المتحدة الأمريكية، كانت دائمًا تدعم الأكراد.
المكتسبات التي حققها الأكراد، بعد الاحتلال الأمريكي للعراق
-
التوجه نحو بناء دولة كردستان العراق.
-
توسيع علاقات الأكراد بالعدو الصهيوني.
-
دعم جهود الأكراد، والسعي لتحديد مستقبلهم في دول الجوار .
بطبيعة الحال، أدى بناء الحكم الذاتي الكردستاني في العراق، إلى تحريك القضية الكردية، في الدول المجاورة؛ بهدف الحصول على ميزات سياسية، على نمط ما حدث في العراق. وبالتالي، فقد تحركت القضية الكردية في المنطقة كلها.
ونشير من البداية، إلى أن الهدف الرئيسي لأكراد العراق، هو بناء دولتهم داخل کردستان العراق، كخطوة زمنية أولى، حيث عملت على استغلال فرصة الوجود الأمريكي في العراق، وقبل استكمال تنفيذ الاتفاقية الأمنية العراقية – الأمريكية برمتها، والمقرر لها عام 2011، في بناء وتوسيع مساحة دولة كردستان العراق.
الاتفاقية الأمنية الأمريكية – العراقية وانعكاساتها على المسألة الكردية في ظل الاحتلال الأمريكي
بعد جولات تفاوضية شاقة، وقبل انتهاء مدة تعويض الأمم المتحدة للقوات متعددة الجنسيات في العراق، والمحدد لها نهاية ديسمبر 2008، توصل الطرفان: الأمريكي والعراقي، لإبرام اتفاقية أمنية، تحدد أوضاع القوات الأمريكية في العراق، على المدى القريب. تشمل الاتفاقية ثلاثين مادة[1]، أهمها الأتي:
-
تحديد حجم الوجود الأمريكي في العراق بنحو 150 ألف فرد، منتشرين في أرجاء العراق.
-
تنسحب القوات الأمريكية من جميع المدن والقرى العراقية. وتتمركز في قواعد خارجها، بحلول منتصف عام 2009.
-
يتم الانسحاب النهائي للقوات الأمريكية من العراق، بنهاية عام 2011.
-
تستعين الحكومة العراقية، بشكل مؤقت، بالقوات الأمريكية، لمساندتها في إجراءات الأمن الداخلية، والتصدي لأي تهديدات خارجية؛ وذلك لحين استكمال القدرات العراقية للعمل منفردة.
-
عدم استخدام القوات الأمريكية للأراضي العراقية في العدوان على دول الجوار .
-
منح الولاية القضائية للعراق على أفراد الجيش الأمريكي، والمتعاقدين معه، في الشق الخاص بالجرائم القضائية الجنائية، التي يرتكبونها خارج معسكراتهم.
-
الاعتراف بالحق السيادي للعراق في طلب انسحاب القوات الأمريكية، في أي وقت؛ والحق السيادي للولايات المتحدة الأمريكية في سحب قواتها، في أي وقت.
وفي أعقاب إبرام هذه الاتفاقية، وقعت بريطانيا اتفاقية مماثلة مع العراق. وتم سحب القوات البريطانية، في منتصف عام 2009، عدا عناصر لتدريب القوات العراقية، في منطقة البصرة.
أيّد الملا مسعود البرزاني، رئيس إقليم كردستان العراق، الاتفاقية بشكل مطلق؛ للعديد من الأسباب، أهمها:
-
يعدّ أكراد العراق أنفسهم حلفاء للولايات المتحدة الأمريكية؛ وبالتالي، فهم يوافقون على أي خطوات، تتخذها الإدارة الأمريكية تجاه العراق.
-
يتعامل الأكراد بذكاء شديد، مع القرارات المصيرية، التي تتخذها الحكومة العراقية؛ ما دامت لا تمس أوضاعهم الإستراتيجية، أو حكمهم الذاتي، أو إدارتهم لإقليم كردستان. ومن هنا، تأتي الموافقة إرضاء للحكومة العراقية.
-
إن أوضاع القوات الأمريكية في إقليم كردستان العراق مستقرة، والاهتمام الرئيسي للأكراد يتركز في إقليم كركوك، حيث تتركز القوات الأمريكية فيها وهو ما يعده الأكراد دعمًا لهم، لحين استكمال قدرتهم على وضع يدهم على هذا الإقليم الاقتصادي المهم.
-
يضع الأكراد، في مقدمة اهتماماتهم المستقبلية، وجود قواعد أمريكية في إقليم كردستان، تضمن أمن الأكراد. وهذا الاهتمام لا يقتصر على الأكراد فقط؛ وإنما يطاول الأمريكيين؛ لضمان بقاء أمن لهم في المنطقة، يحقق الإستراتيجية الأمريكية في القرن الحادي والعشرين.
يعني ذلك أن سيناريو التخطيط المستقبلي الأمريكي المحتمل، في ما بعد نهاية عام 2011 (تاريخ تنفيذ الاتفاقية الأمنية)، يتحدد في الآتي:
-
انسحاب القوات الرئيسية من الأقاليم العراقية: الجنوبية والوسطى، مع بقاء عناصر أمن القواعد الأمريكية، وعناصر تدريب للجيش العراقي.
-
وجود ملائم في إقليم كردستان العراق، من خلال قاعدة عسكرية أو قاعدتين، ترتبطان بالقواعد الأمريكية في تركيا، إلى جانب القواعد الأخرى، في العراق والخليج.
الأكراد والولايات المتحدة الامريكية ما بعد نشأة الحشد الشعبي
يمكن طرح ما بعد دخول داعش إلى العراق وتأسيس الحشد الشعبي مرحلة أخرى من مقاربة الولايات المتحدة الأمريكية لإقليم كردستان، إذ إن تكتل الفصائل المسلحة تحت مسمى الحشد الشعبي وتشكيله قوةً إشكالية (قوة تابعة للقائد العام للقوات المسلحة، لكنها في نفس الوقت تعلن محاربتها للقوات الأمريكية) في العراق خصوصًا وأن أهم الفصائل المقاومة فيها (كتائب حزب الله، عصائب أهل الحق) لديها علاقة قوية مع إيران. على هذا الأساس يمكن القول إن إقليم كردستان سيأخذ حيزًا أكبر في الاهتمام الأمريكي في العراق.
هنا لابد من الإشارة إلى مسألةٍ مهمة وهي أن الولايات المتحدة الأمريكية كما كل السياسات، ستكون على كل جزئيةٍ بنفسها، وستعمل الولايات المتحدة على موازنة مكتسباتها مع نفس الأكراد في العراق، وخسارتها مع بقية الأطراف الداخلية في المشهد العراقي، والدول الإقليمية في المنطقة.
على هذا الأساس نرى تصريح وزير الخارجية الأمريكية آنذاك تيلرسون حول الاستفتاء بأن “التصويت ونتائج الاستفتاء يفتقران للشرعية، ونحن نواصل تأييدنا لعراق موحد وديمقراطي وفيدرالي ومزدهر” يندرج ضمن سياسة موازنة المصالح.
ما نريد بيانه هو أن سياسة الولايات المتحدة تجاه الإقليم لن تكون إلا بما يحقق مصالحها في العراق، لذا يمكن ملاحظة الدعم المتنامي والتنسيق المتزايد من قبل الولايات المتحدة بل والدول الأوروبية في الفترة الأخيرة . وقد تعالت الأصوات في إقليم كردستان نتيجة تأييد بايدن لإعادة العمل بالاتفاق العراقي-الكردي الموقّع عام 2014 حيث اتفق الطرفان على “إدارة مشتركة للملف الأمني بين “قوات البيشمركة” الكردية والقوات العراقية في المناطق المتنازع عليها وطرد “قوات الحشد الشعبي” من هذه المناطق”. كما أن تجديد الدعم “لإقليم كردستان العراق” وزيادة الشراكات والتحالفات بين الإقليم والولايات المتحدة من شأنهما المساهمة في التصدي للنفوذ الإيراني الذي اخترق النظام الاتحادي العراقي .
بالمحصلة، عندما يُنظر بالعين الأمريكية تجاه المكونات في الشعب العراقي التي يمكن أن تشكّل مدخلاً للساحة العراقية، فلن يكون لدى الولايات المتحدة الأمريكية إلا المكون الكردي يمكن توظيفه في رفد السياسة الداعمة للكاظمي في وجه الفصائل في العراق.
مركز الاتحاد للأبحاث والتطوير
