سألني صديق عن قدرة الولايات المتحدة في إدارة ملفاتها المتعددة والحامية دفعة واحدة، فقلت إنه الاختصاص والمؤسسات ثم القوة المفرطة .. فلا عجب أن تستعد لمعركة فنزويلا، وأن تقدم نص انسحاب في سوريا، وأن تلتفت دائما إلى إسرائيل والمنطقة، وأن تفكر بمستقبل الحلف الأطلسي، وأن تبدأ بالنوم على كتف “طالبان” بدل أن تحاصرها وتقتلها .. ومسائل أخرى. لكن أبرز ملفاتها اليوم هو مؤتمرها القادم بعد أيام في وارسو في 13 و14 فبراير الحالي. فتحت لافتة “السلام والأمن في الشرق الأوسط” تحشد الولايات المتحدة جماعتها لتناقش وضع إيران، لعلها تجد المسرب الذي تذهب فيه “لتلتقي” معها .. في حين تتبرأ إيران وما زالت من أن تتحول إلى ما يريده الأميركي، وهو كثير، أقله موقفها من إسرائيل.
لكن أمر أميركا لن يكون سهلا، ففي 14 الجاري أيضا، تستضيف سوتشي مؤتمر قمة مهما للقادة الروسي والإيراني والتركي .. وما من شك أن سوريا في قائمة أولوياته، لكن دلالاته لا تخفى على أحد، خصوصا تحديده في اليوم الذي تكون فيه الولايات المتحدة قد أخرجت قراراتها من جعبتها، وهي مكتوبة منذ زمان، لتقوله، في حين تكون قمة سوتشي عودة إلى محاولات التوافق على نقاط ما زالت عالقة وخصوصا بين الرئيسين بوتين وأردوغان، إن في شمال سوريا بعد الانسحاب الأميركي حيث يصر التركي على ملء الفراغ، وهو ما لن تقبله سوريا إطلاقا، بما يعني حبس أنفاس، كما أن موسكو ترى فيه تجاوزا لمسيرتها في ترتيب أوضاع سوريا، وتصر من جديد على أن تكون اتفاقية أضنة هي الحل.
مؤتمر وارسو يعني الذهاب إلى بعثرة أوراق صكها الرئيس السابق أوباما من أجل إرساء واقع عالمي أقرب إلى التوافق، فكان الاتفاق النووي صك سلام لهذا الغرض، رأت فيه إيران ما تريده، وكذلك الولايات المتحدة وبقية دول أوروبا، وعلى ذكر أوروبا، فلها الآن موقفها المغاير من الموقف الأميركي إزاء الاتفاق مع إيران، موقف مفهوم لا داعي لوصفه بأنه قراءة في واقع المصالح الأوروبية مع طهران. من هنا نفهم أن هذا المؤتمر صنعته الولايات المتحدة وهي أساسه وكلماته نصوصها.
مؤتمر سوتشي لن يصنع العجائب في سوريا ولا في غيرها، هو تأكيد لنوع من التحالف الذي تجمعه نقاط محددة وتفرقه نقاط .. لكنه يريد الوصول إلى قواعد ثابتة توحد الرؤية بالنسبة لسوريا .. الدول الثلاث من أساس الحضور في سوريا، وعليه أن تكون المدبر الأساسي لشؤون الحل فيها .. والحل في النهاية يلزم الولايات المتحدة وغيرها أن تركب قاطرة مغايرة لوجودها على الأرض السورية .. إذا كان الرئيس ترامب قد قرر بالفعل الخروج من سوريا، فإن أردوغان ما زال يذهب مذهب الممسك بخياراته المعروفة، الأمر الذي يجعل من مؤتمر سوتشي المكان الأساسي للتفاهم مع الرئيس التركي، على أمل أن يطبق العديد من الكلام الذي ردده حول مفهومه النهائي من عدم البقاء على الأرض السورية.
زهير ماجد – الوطن العمانية
Discussion about this post