لطالما كان افتعال الأزمات واختلاق أسباب الحروب والتدخلات في الشؤون الداخلية للدول النهج الثابت في السياسة الأميركية، فإن إقدام الولايات المتحدة على فرض رزمة جديدة من العقوبات الاقتصادية على سوريا لا يتناقض مع مخطط استهدافها وتدميرها وتفتيتها، بل إن العقوبات الاقتصادية كانت جزءًا أساسيًّا من مخطط الاستهداف، وذلك بقصد إنهاك الدولة السورية وإضعافها بحيث لا تقوى على مواكبة متطلبات المواجهة مع المخطط الإرهابي الكوني الذي يستهدفها، ولا تستطيع أن تلبي احتياجات شعبها.
لقد كانت العقوبات الاقتصادية والحصار الظالم على سوريا وشعبها على وجه التحديد ليس بداية انطلاق مخطط الاستهداف فحسب، وإنما علامة دالة، وأحد العناوين العريضة التي تتالت فيما بعد لتؤكد طبيعة المخطط وحجم الاستهداف، والأهداف والأبعاد المرادة من جميع الخطوات المتخذة ضد الدولة السورية وشعبها.
إن العقوبات الاقتصادية الجائرة المفروضة على سوريا سُوِّقت للرأي العام العربي والعالمي على أنها نتيجة لازمة لإجبار الحكومة السورية على التعاطي مع المطالب الشعبية، وأنها نوع من الضغوط التي تمارس عليها للتنازل للمطالب الشعبية وتنفيذ ما يريده الشعب، والمؤسف جدًّا أنه ـ رغم عدم نكران أنه لا يوجد شعب في هذا العالم ليس لديه مطالب ـ هناك من رأى هذه العقوبات بعين الرضا، خصوصًا بعض العرب، وصدقوا ما روجه الغرب وأعوانه عن المزاعم التي بنوا عليها عقوباتهم، ودون أدنى وعي بأن هذه العقوبات الاقتصادية الجائرة إنما هي أحد الأسلحة التي استخدمها مستهدفو سوريا وشعبها وجيشها وقيادتها للنيل منها، وإسقاطها بالإطاحة بحكومتها، وأن ما رفعوه من مزاعم وأكاذيب في سبيل تنفيذ هذه العقوبات هو عبارة عن مطالب صهيو ـ غربية صرفة، لا علاقة لها بمطالب الشعب السوري، ولكي تنطلي هذه الأكاذيب والمزاعم أتوا بصنيعتهم التي ربتها أجهزة الاستخبارات الصهيو ـ غربية والإقليمية وقدموها للشعب السوري ولشعوب المنطقة والعالم على أنها “معارضة سورية” التي سلموها فيما بعد زمام قيادة تنفيذ الأهداف الصهيو ـ غربية.
إن العودة إلى أسلوب العقوبات الاقتصادية وفرض الجديد منها على الشعب السوري لا يمكن أن يكون أمرًا مختلفًا عما يحدث مع الدول التي تصنف ضد الولايات المتحدة وإرادتها، وهي في الجوهر تعبِّر عن حالة الاستعصاء التي تواجهها واشنطن في تحقيق ما تريده من خصومها، لذلك من يتابع تطورات الأحداث والأوضاع في سوريا سيقف أمام جملة من الاستعصاءات السياسية والميدانية التي نجحت في فرضها الدولة السورية وحلفاؤها جراء حالة الصمود والاستبسال في المواجهة، والمثابرة في تفكيك حلقات المخطط الإرهابي الكوني ضد سوريا، وإحباط جميع محاولات النيل من الدولة السورية، بل والنجاح في كشف كل الأهداف والمشروعات الاستعمارية والتدميرية، وفضح جميع الخدع وأساليب الاحتيال والمراوغة أمام العالم، مع أهمية تأكيد أن العقوبات الاقتصادية تمس بصورة مباشرة الشعب السوري الذي رفع فارضوها شعارات مساعدته حتى تحقيق مطالبه، وهو ما يمثل في حد ذاته انفضاحًا كافيًا للتدليل على حقيقة العقوبات الاقتصادية وطبيعة المخطط الذي يستهدف سوريا.
رأي الوطن العمانية
Discussion about this post