العالم مختلف بعد احتلال العراق من قبل الأميركي، حتى صحيفة “نيويورك تايمز” اعترفت بعددها الأخير وعبر عدد خاص عن الاحتلال ذاك، أن ما حصل بعد تلك الكارثة هو ما وصلنا إليه من خراب عربي، ولم يكن ذلك بالصدفة طبعا.
قليل من العقول العربية من رأى في الاحتلال الأميركي للعراق متغيرا استراتيجيا خطيرا على المنطقة كلها. تشهد ساحات العرب اليوم على ذلك، ولن تنتهي تداعيات الاحتلال إلى أمد طويل، بل ستظل ارتداداته في سوريا وليبيا واليمن وتونس متوفرة وغير قابلة لإغلاق ملفاتها.
من هنا نفهم لماذا خرج الأميركي من العراق من الباب وعاد إليه من الشباك، ثم نفهم أكثر كيف انطلق “داعش”، وكيف رسمت السيناريوهات للخلاص من صدام حسين والقذافي ومن ثم من الرئيس بشار الأسد.. وكيف كانت الخطط التي وضعت منذ إسقاط صدام للعبور إلى عالم عربي مختلف؟
كل الحقيقة باتت معروفة، كان المخطط هدم العراق على رؤوس أبنائه، والمهم قتل رئيسه، والأهم فرط كل مؤسساته العسكرية وفي الجزء المهم من هذا التصور أن تلك المؤسسة بقيادة صدام ضربت إسرائيل بعشرات الصواريخ الضخمة، فكان لا بد من الثأر الإسرائيلي عن طريق الجيش الأميركي. ثم حانت لحظة إسقاط القذافي ولم يشفع له ما فعله في مرحلته السياسية الأخيرة .. ثم كانت المهمة فرط جيشه أيضا .. وحين وصل الأمر إلى سوريا تم تنفيذ السيناريو ذاته، وكان الجيش العربي السوري هو المطلوب والهدف ومن ثم وضع المسؤولية على كتف الرئيس بشار وتحميله سبب “النزاع” في بلاده .. ومن ذكريات المرحلة الأولى من عمر المؤامرة تلك، أن خمسين ألف جندي وضابط سوري تركوا العمل في الجيش بعد أن تم إغراؤهم بالمال، وبدت الأمور في لحظة من اللحظات ظهور مخاطر حقيقية على الرئيس، ولولا الدفع الروسي والإيراني وحزب الله لربما نجح المخطط ودخلت سوريا في أتون الشر الذي خطط لها أن تكون بما وصلت إليه ليبيا من فراغ في السلطة ومن نهاية للجيش ومن دمار للحالة الاجتماعية ومن نهاية للمؤسسات ومن فلتان لا حصر له على الصعيد الأمني والإرهابي.
هذه الصورة وغيرها ظهر جليا منذ سقوط العراق بيد الأميركي .. كان واضحا منذ أن أسقط الجيش الأميركي تمثال صدام حسين في ساحة الفردوس ببغداد، وخلفهم الدبابات الأميركية التي أبكانا وجودها على الأرض العراقية وفي العاصمة بالذات والتي كنت أعرف تماما أن فيها قوى كثيرة مسلحة حتى أسنانها، وأنه في كل شارع كان هنالك مخزن ضخم للسلاح .. من المؤسف أن العراقيين هزموا ذاتهم فانتصر الأميركي بكل الكلمات المتطايرة.
إذن صحيفة نيويورك تايمز تقدم قراءة واضحة لاحتلال العراق على صفحاتها كلها .. ليس عبثا هذا الاهتمام لولا المتغير الذي أعقب مشهد القوات الأميركي على ثرى الرافدين، والذي طال العراق بالدرجة الأولى ثم انسحب بهدوء ليغزو جزءا مهما من العالم العربي تحت مسمى خبيث ولئيم عنوانه “الربيع العربي”.
وفي الاعتقاد فإنه مثلما تداعت أقطار عربية بعد الاحتلال للعراق، فإن هذا الواقع سيكون له تأثير أجيال، فيما ستتحمل ترميمه أجيال أخرى، وسيترك في النفوس متغيرات أكثر مما سيتركه في السياسة وفي الحكم والدولة والنظام. وهنا هو المطلوب، تحطيم العربي وليس منزله فقط، رمي الرعب والإرهاب في عقله كلما فكر بأن يقوم من جديد، وضعه أمام سؤال الاستحالة لأي شيء يسعى إليه.
زهير ماجد– الوطن العمانية
Discussion about this post