ليلى نقولا
بما أن الساسة الأوروبيين يعانون اليوم من خطر تحوّل مجتمعاتهم إلى اليمين المُتطرّف، وبالتالي خسارة مقاعدهم النيابية وأغلبياتهم الحكومية، فإن الحلّ بالنسبة لهم، قد يكون مُلاقاة دونالد ترامب في مُنتصف الطريق، وبالتالي الذهاب مُسرعين إلى سوريا لتقديم مساعدات إعادة الإعمار، والتنسيق مع النظام السوري لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.
ما زالت تداعيات الهجرة غير المسبوقة التي اجتاحت أوروبا عام 2015، تؤثّر على جميع دول الاتحاد الأوروبي من دون استثناء، حيث يعيش الاتحاد صعوبات غير مسبوقة منذ تأسيسه، تهدّد بانفراط عقد ذلك الاندماج الذي حصل في معاهدة ماستريخت وما زال مستمراً ولغاية اليوم.
وبينما تعاني السويد من عدم القدرة على تشكيل حكومة منذ الانتخابات التي حصلت في أيلول 2018، وتعيش فرنسا على وقْع الاضطرابات وتظاهرات السترات الصفراء، ترتفع أسهم اليمين في كل من إلمانيا والنمسا وغيرهما. تُضاف إلى ذلك، المشاكل التي ستترتّب على خروج بريطانيا من دون اتفاق، والتي ما زالت تهدّد مستقبل تيريزا ماي السياسي، كما هدّدت أزمة الهجرة واللاجئين مستقبل أنجيلا ميركل السياسي.
وعليه، يبدو أن الأزمات ستُلاحق أوروبا في العام 2019، والتي يبدو أن جزءاً منها حقيقي، وجزء آخر مُفتَعل بفعل الشعبوية اليمينية، وما يُطلَق عليه في العِلم الأكاديمي باسم “الأمننة” securitization.
“الأمننة” كمُصطلح مُتدَاول في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، يعني قيام فاعلين سياسيين في الدولة ( سواء في السلطة أو خارجها)، بتحويل مواضيع اجتماعية أو إقتصادية غير أمنية إلى مسائل أمنية، بمعنى آخر هي كناية عن عملية تسييس القضايا وتضخيم خطرها، وتصويرها كتهديد للأمن القومي. وهذه القضايا قد لا تمثّل بالضرورة قضايا أساسية لبقاء الدولة، بل ربما تمثّل قضايا مُتعلّقة بمشكلة تمسّ الأفراد، أو قد تتطوّر لتتضمّن قضايا تشكّل قلقاً للجماعات، كتضخيم خطر الهجرة على الهوية الاجتماعية أو الخصوصية الثقافية في أوروبا، أو ما يقول عنه الجمهور من أن الهجرة هذه هدفها تغيير وجه أوروبا الحضاري خلال جيل أو جيلين من الآن، وذلك عبر فرض تغييرات ديمغرافية وغيرها.
ويقول باري بوزان – صاحب النظرية – أن الأمننة ليست مجرّد تحرّكات أمنية، بل هي عملية منهجية تصبح من خلالها القضايا “مؤمننة”، وذلك عندما تجد طريقها إلى عقل الجمهور، فيتقبّلها وكأنها مُسلّمات.
وهكذا، تقوم “الأمننة” باستخدام طُرق منهجية تهدف إلى تحويل بعض القضايا من مجرّد فواعل اجتماعية إلى مشاكل أمنية – “وجوديّة” في معظم الأحيان- ثم اتّخاذ هذا التهديد الوجودي كذريعة لاستخدام التدابير الإستثنائية لحلّ تلك القضايا بطُرق راديكالية ما كانت لتُعتَمد لولا أمننة تلك القضايا. ولكي تكون “الأمننة” أكثر نجاحاً، يجب أن تجد قبولاً بين الجماهير وذلك من خلال استخدام تعابير وخُطَب شعبوية تخاطب الغرائز وتحوّل القضية إلى شعور بالتهديد الوجودي، بغضّ النظر إذا كان لبّ المشكلة يشكّل تهديداً حقيقياً أم لا. وهكذا، باتت قضية اللجوء في أوروبا والتي تمّ تحويلها إلى قضية أمنية، تهدّد المجتمعات الأوروبية وتتسبّب بارتفاع أسهم اليمين المُتطرّف بشدّة، خاصة بعد ارتباط العامل الديني والثقافي بالمهاجرين، وتصوير هؤلاء اللاجئين بأنهم باتوا يشكّلون تهديداً أمنياً وجودياً للمجتمعات الأوروبية.
وعليه، وبما أن الساسة الأوروبيين يعانون اليوم من خطر تحوّل مجتمعاتهم إلى اليمين المُتطرّف، وبالتالي خسارة مقاعدهم النيابية وأغلبياتهم الحكومية، فإن الحلّ بالنسبة لهم، قد يكون مُلاقاة دونالد ترامب في مُنتصف الطريق، وبالتالي الذهاب مُسرعين إلى سوريا لتقديم مساعدات إعادة الإعمار، والتنسيق مع النظام السوري لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.
وهكذا، وتزامناً مع هرولة العرب لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية، وإعادة فتح السفارات العربية، سيكون عام 2019، عام عودة العلاقات الأوروبية السورية، وفيها مصلحة مشتركة لكلٍ من سوريا وأوروبا، فالسوريون يحتاجون إلى أموالٍ لإعادة الإعمار، وتخفيف العقوبات المفروضة على سوريا والتي تُفرمِل القدرة على تحقيق التقدّم الاقتصادي والاجتماعي، أما الأوروبيون فيحتاجون إلى إعادة اللاجئين إلى بلادهم – أو جزء منهم على الأقل- بعدما بات من غير المُجدي الرِهان على الاستثمار في موضوع اللاجئين لتحقيق التغيير السياسي المنشود في سوريا بواسطة الانتخابات، إذ إن استمرار هذا الرهان سيكون خسارة كبيرة للأوروبيين، فقد يتغيّر وجه أوروبا السياسي كلّها قبل أن يتغيّر النظام السوري أو يرحل بشّار الأسد.
الميادين
Discussion about this post