بهذه المناسبة الجليلة حيث ميلاد السيد المسيح، تحضرني جملته الشهيرة وهو طي التعذيب بقوله “اعف عنهم يا أبت فهم لايدرون ماذا يفعلون” .. هل حقا من أسقط سوريا من جامعة الدول العربية كان يدري ما هو فعله؟ وإلى أين يؤدي..؟ هذا المدعو نبيل العربي الأمين العام السابق للجامعة، ربما أرغم على قرار إبعاد سوريا، أو ربما هو من دفع له الثمن كي يجترح هكذا مشروعا إقصائيا لدولة ليست عضوا عاديا في الجامعة، بل هي من المؤسسين لها، ثم هي سوريا، ألا تعرفون معنى أن تكون سوريا خارج الجامعة؟!
لعلهم فعلوا وكانوا يعرفون ما يفعلون، من يراجع مذكرات وزير الخارجية القطري حمد بن جاسم آل ثاني عن تلك المرحلة، يعثر على أقل من إجابة، بل إجابة مبتورة عن حقائق يجب أن تذكر في موسم العودة العربية إلى سوريا .. لا يمكن العبور إلى مرحلة دون معرفة ما سبقها، وما حصل كبير وخطير..
يوم انفلتت اللعبة الجهنمية على سوريا انطلاقا من درعا، كان الرئيس بشار الأسد وقد أمسك بيده المؤامرة على بلاده، يحاول أن يمتص الخطر المحدق بالبلاد قدر الإمكان وأن يفوت الفرصة على أبناء جهنم من الوصول إلى غاياتهم، لكن الخطط كانت مرسومة على ورق ومحفوظة في الكمبيوترات ـ خطوة بخطوة، أليست هي ابنة الخطط التي وضعت في العام 1956 وفي العام 1966 وكلها لتدمير سوريا وتقسيمها .. في تلك التواريخ كان واضحا أيضا إنشاء ما يسمى بالجيش “الحر” وتحويله بعد نجاح المؤامرة إلى قوى أمن داخلي ليس إلا، وكان الهم الأكبر أن تكون سوريا ضمن معادلة إقامة العلاقات مع إسرائيل.
تعذر تنفيذ الخطط تلك، لكنها ظلت قائمة إلى حين، وقد جاء وحان في العام 2011، وكنت يومها في دمشق حين أخبرني صديق على عجل أن هنالك لافتات ظهرت في منطقة الميدان بالعاصمة السورية تدعو لتفجير الوضع وتشتم القيادة، بل إن من أقلني بعدها إلى بيروت كان من سكان الميدان ومن نبرة كلامه فهمت أنه من مؤيدي تلك اللافتات.
كان الرئيس الأسد قد سحب من جاروره الاحتياطي كل الدروس التي سيواجه بها المؤامرة الكبيرة، وهكذا كان .. لم يتركوا ركنا على الأراضي السورية إلا وتحول إلى موقع قدم لجيوش من الغزاة تم إحضارهم على عجل .. ولهذا كانت الأخبار القادمة من دمشق، أن الدولة والنظام قاب قوسين أو أدنى من السقوط، بل إن البعض احتفل مسبقا، فيما “المعارضة” السورية في الخارج جهزت نفسها وحقائبها للذهاب إلى سوريا من أجل استلام السلطة وإقامة مشروعها الجهنمي. ومن يراجع ملفات تلك الفترة، سوف يرى الكلام الذي اعتمدته تلك “المعارضة” والملايين التي صرفت عليها، بحيث قيل إن برهان غليون وحده نال الجزء الأكبر منها وكلها باليورو.
لم ينتبه اللاعبون، كل اللاعبين، من العرب والغربيين، أن العقل السوري مبني على متسع كبير من شتى الاحتمالات وكان يندرج في باب الضرورات، ولقد نجح في أن يحقق أهدافه وأن يصد أخطر مؤامرة على دولة خلال عشرات السنين، بقوة جيشه وصلابة شعبه وقوة مؤسساته، ثم الحضور المؤازر له من قوة ممانعة أضافت إليه قوة استمر بها وها هو يخرج من المؤامرة، قد يغفر للبعض لكنه لن ينسى أفعال الجميع.
فعلها كثيرون وجلهم رحل، وبقيت سوريا كي يبقى للعروبة مكانتها ويظل للأحرار مشروعهم الذي رسموه في وجدانهم الأصيل.
الوطن العمانية
Discussion about this post