سوريا لك ..هذا ما قاله الرئيس الامريكي ترامب للرئيس التركي اردوغان، في حديث بين الرئيسين عبر الهاتف حول قرار الانسحاب العسكري الامريكي من سوريا، كما ذكرت وكالات انباء عالمية، وكأن سوريا كانت ملكا للرئيس الامريكي وقرر التخلص منها واهداءها لنظيره التركي، رئيس دولة يهدي دولة اخرى تبعد عنه آلاف الكيلومترات بمساحتها الشاسعة وشعبها ومائها وفضائها ومقدراتها وثرواتها وكل ما فيها، لرئيس دولة ثالثة، بكلمتين فقط ..سوريا لك، معتبرا هذا البلد العربي المسلم احدى عقاراته او ضمن املاكه، او مسجلا باسمه في دوائر الطابو المختصة، وربما ندم على هذا الاهداء المتسرع، وشعر بالذنب متأخرا، لانه لم يهدها لحليفه الاستراتيجي المدلل نتنياهو، اذا كان حجم الدول ووزنها بهذه القيمة التي يضعها الرئيس ترامب، فعلى جميع الدول الاصغر والاضعف من غيرها ان تتحسس وجودها دوما، وقد تجد دولة ما نفسها يوما مهداة لرئيس دولة اخرى، او لأي شخص يحظى بشيء من الشهرة، او العلاقة الطيبة مع سيادة الرئيس الامريكي، ضمن هذا النهج الجديد او الموضة الجديدة في العلاقات بين الرؤساء، التي اصبحت فيها الهدايا دولا، بدلا من الهدايا التقليدية المعروفة بين البشر، وهل يفعلها الرئيس الامريكي ويهدي الرئيس الفلسطيني مثلا، دولة فلسطين المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وينهي صراعا مريرا عمره اكثر من سبعة عقود، بهدية.
عندما قال سوريا لك، بهذه البساطة، هو اعتبر سوريا بحجم قلم حبر في جيبه، او ولاعة «قداحة» بجانب علبة سجائر، اعجبت صديقه واقسم ان يهديها له، ولم ينظر لها على انها دولة مساحتها مائة وثلاث وثمانون الف كيلومتر مربع، وعدد سكانها اثنان وعشرون مليونا، او انه اعتبرها خط انتاج خاسر في حساباته التجارية، خاصة ان السياسة لا تدخل ابدا ضمن حساباته، على اعتبار انها مشاريع غير مربحة.
في الامس كانت سوريا مهمة، والقى فيها باكثر من ألفي جندي بعدتهم وتجهيزاتهم الكاملة، وانشأ قوات سوريا الديمقراطية تدريبا وتسليحا، وفجأة اصبحت قطعة على هذا الكوكب لا تشكل له اية اهمية، انها تناقضات غريبة تزداد التساؤلات حولها، عندما يصطدم مع اهم المسؤولين في البيت الابيض، ويصر على تنفيذ قراراته ولو ادت الى استقالتهم.
يمكن لكل مراقب ومتابع في هذه المنطقة، ان يلاحظ بأنها خالية من السياسة الامريكية، وتخلو من اية نشاطات دبلوماسية، على عكس الادارات الامريكية السابقة، التي كانت تحرص على التواجد السياسي الدائم والحضور والتدخل في جميع مشاكل واحداث الشرق الاوسط، والمشاركة والمساهمة في وضع الحلول والتوصل اليها.
النهج الجديد للادارة الحالية، الابتعاد عن كل ما هو غير مربح، والتركيز فقط على جني الاموال، وربط القيام بأي فعل او عمل بثمن معين.
كمال زكارنة – الدستور الاردنية
Discussion about this post