عصام نعمان
قرّر دونالد ترامب سحب القوات الأميركية من كل ؟ الأراضي السورية. برّر قراره بأن الولايات المتحدة «لا تريد أن تكون شرطي الشرق الاوسط». قادة سياسيون وعسكريون كثر فوجئوا بقرار الرئيس الأميركي وجهروا بانتقاده. قيل إن أركان الدولة العميقة اي وزارة الدفاع ووكالة الاستخبارات المركزية وكبار قادة الكونغرس عارضوا القرار المثير للجدل وحذروا من مخاطره. وزير الدفاع الجنرال جيمس ماتيس لم يتأخر في تقديم استقالته.
قادة كبار في دول أوروبا الأطلسية انتقدوا قرار ترامب الانسحاب المبكر. بعضهم كذّب زعم الرئيس الأميركي بإنهائه وجود «داعش» في سورية. بعضهم الآخر تعهد بالمواظبة على دعم «قوات سورية الديمقراطية» الكردية ضد «الدواعش» حتى بعد انسحاب القوات الأميركية.
موسكو طالبت واشنطن بمزيد من المعلومات حول توقيت انسحاب قواتها وإن لم تكتم ترحيبها بالخطوة. انقرة اغتبطت، لكن رجب طيب أردوغان أعلن تريثه في تنفيذ هجومه الموعود على القوات الكردية «الإرهابية» شرق الفرات.
أكبر الخاسرين، بطبيعة الحال، التنظيمات الكردية المتحالفة مع حزب العمال الكردستاني التركي والمتعاونة مع الولايات المتحدة. هؤلاء اعتبروا قرار الانسحاب «طعنة في الظهر». مثلهم شعر عدد من القادة الصهاينة.
دمشق ومعها طهران اغتبطت بالتأكيد. فهي تعتبر وجود القوات الأميركية في أراضيها غير شرعي وغير مقبول ومستوجباً الطرد، لكنها لم تبدِ ارتياحاً ظاهراً بانتظار معرفة ما تنتويه انقرة الضالعة في نشر قوات احتلال في غرب سورية عفرين وفي جرابلس شمال حلب ، ولم تتوانَ عن تقديم دعم عسكري لتنظيمات إرهابية موالية لها في محافظة ادلب.
ما دافع ترامب الى اتخاذ قرار الانسحاب؟
تعدّدت التخمينات. قيل إنه يريد حقن دماء الجنود الأميركيين المهددين من جهات عدة. قيل إنه استعظم التكلفة الهائلة، البشرية والمالية والسياسية، لحروب أميركا دفاعاً عن حلفائها. أغربُ التفسيرات ادعاء بأن ثمّة اتفاقاً تحت الطاولة بين واشنطن وموسكو يقضي بإعطاء روسيا ما تريد في سورية والعراق لقاء إقامة تحالف ضمني بين روسيا وأميركا لمواجهة الصين!
أيّاً ما كان الدافع الى الانسحاب، ظاهراً او ضمناً، فإن ثمة سؤالاً مفتاحياً ينهض: أليس من الضروري، في غمرة الأزمة المتعاظمة التي تعصف بترامب داخل بلاده وانحسار ثقة حلفائه به في الخارج، ولا سيما في أوروبا و«إسرائيل»، اغتنام الفرصة الناجمة عن اختلال موازين القوى نتيجة الانسحاب الأميركي المرتقب، بمبادرة سورية، مدعومةً من روسيا وايران، بمطالبة تركيا بتنفيذ تعهداتها في أستانة وسوتشي القاضية بإنهاء سيطرة التنظيمات الإرهابية في محافظة إدلب بلا إبطاء، حتى إذا رفضت او تلكأت قام الجيش السوري بمباشرة عمليات عسكرية مكثّفة لتحريرها من التنظيمات الإرهابية التي ما زالت ناشطة هناك؟
أردوغان صرّح مؤخراً بأنه مستعد للتعاون مع روسيا وإيران من أجل توطيد الاستقرار في سورية. وزير خارجيته مولود جاويش اوغلو أكد حرص تركيا على وحدة سورية. حسناً، أليس إنهاء سيطرة التنظيمات الإرهابية في ادلب وفي شرق الفرات شرطاً ومدخلاً الى استعادة وحدة سورية وتوطيد استقرارها؟
هل تراه يعتقد أردوغان وجاويش أوغلو أن وحدة سورية وتوطيد استقرارها يكونان بحلول القوات التركية محل القوات الأميركية المتمركزة في شرق الفرات وفي قاعدة التنف على الحــدود السورية – العراقية، وبحلولها محل القوات الكردية المتعاونة مع أميركا في شمال سورية الشرقي، وبسيطرة التنظيمات الإرهابية في محافظة إدلب برعاية تركيا أو، على الأقل، برضاها، في المقابل، أليس الانسحاب من سورية والتفاهم معها هو الخيار الأفضل والأجدى لمعالجة المسألة الكردية في كلٌّ من البلدين؟
صحيح ان الحوار الهادئ والجدّي بين روسيا وإيران وتركيا هو الوسيلة الفضلى لتصفية ذيول الحرب في سورية وعليها، كما لمعالجة تداعيات خروج أميركا المرتقب منها، غير أن ذلك لا يتناقض البتة مع ضرورة التحسّب لإمكانية تمسّك تركيا بمطامعها الجيوسياسية كما مع وجوب تهيّؤ أطراف محور المقاومة، مجتمعين، لمواجهة مطامع تركيا بلا إبطاء على نحوٍ يكفل استعادة سورية وحدتها وسيادتها على كامل ترابها الوطني.
دقّت ساعة العمل الجدّي.
وزير سابق
Discussion about this post