اعتبر «مركز دمشق للأبحاث والدراسات – مداد»، أن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بانسحاب قوات بلاده من سورية جاء في سياق اتفاق إستراتيجي بين أنقرة وواشنطن على سيناريو يحرج الضامنين الروسي والإيراني، ويؤدي إلى خلق وقائع جديدة، ورأى أن القرار لا يمثل في المرحلة الراهنة تسهيلاً لتمرير الحل الإستراتيجي للأزمة السورية.
جاء ذلك في ورقة تقدير موقف للمركز بعنوان: «هل قرار الانسحاب الأميركي خطوة على طريق الحل السياسي في سورية؟: قراءة أولية في المضمون والإستراتيجيات»، وتلقت «الوطن» نسخة منها.
ورأت في الورقة التي أعدها الباحث، مدين علي، أن قرار الانسحاب الأميركي جاء صادماً ومفاجئاً، إذ يعد منعطفاً نوعياً في مسار الأزمة/ الحرب الدائرة في سورية.
ولفت معد الورقة إلى أن قرار الانسحاب تزامن، مع مجموعة كبيرة من الإشارات والرسائل التي سبقت القرار، صدرت عن بعض الدول في الإقليم، والتي عبرت عن الرغبة بالتعاون، وإعادة التمثيل الدبلوماسي والعلاقات مع سورية.
وأوضح، أن قرار الانسحاب ينطوي في الواقع على دلالات إستراتيجية مهمة، بالنسبة لمختلف القوى والدول التي لها علاقة بمجرى الصراع الدائر في سورية، «ففي الوقت الذي يمكن أن يعد القرار فيه انتصاراً سياسياً وميدانياً ويفسر بصفته كذلك، بالنسبة للدولة السورية وحلفائها، إلا أنه يعد مصدر قلق كبير بالنسبة لقوى وأطراف محلية وإقليمية ودولية، صدمت بالقرار، وأصيبت بالخيبة والارتباك، لأنها كانت قد أسست رؤيتها تاريخياً، وحددت موقفها، بناءً على متطلبات الدور الأميركي المرتقب، وسيناريو تدخل أميركي مباشر، في لحظة تاريخية منتظرة، يمكن أن يغير مجرى الصراع باتجاه مختلف، ينسجم مع مصالحها الإستراتيجية».
وأعرب معد الورقة عن اعتقاده، بأن «قرار ترامب جاء في سياق اتفاق إستراتيجي بين تركيا والولايات المتحدة الأميركية على سيناريو يحرج الضامنين الروسي والإيراني، ويؤدي إلى خلق وقائع جديدة، عبر توغل تركي مسنود ومغطىً أميركياً لملء الفراغ، يستهدف خلق وضع جيوبوليتيكي جديد، ينتهي بمنطقة شرق الفرات إلى ما يشبه سيناريو إدلب، على أن تؤسس الوقائع الجديدة لتسوية لاحقة على مساحة معينة من إدلب، تمتد على طول الحدود، حتى منطقة شرق الفرات، تحت مستوى سقف تفاوض تركي مرتفع، لجهة ما يتعلق بمضمون العملية السياسية في سورية، وماهية الحل السياسي وطبيعته، ودور إيران وحجم وجودها في سورية».
وأضاف: إن قرار الانسحاب يندرج في سياق التلزيم والإدارة من الباطن، الذي يستهدف تعزيز موقع تركيا التفاوضي مع روسيا، إذ إن للعلاقة مع تركيا أهمية كبرى في معادلة مصالحها الإستراتيجية لروسيا، كذلك الأمر بالنسبة لإيران التي ستجد نفسها بين مطرقة العقوبات الدولية المتشددة والمؤلمة وسنْدان المواجهة المباشرة مع شروط ومتطلبات الضامن التركي الممسك أكثر بالجغرافيا والنفوذ على الأراضي السورية، وقد التقط الجانب الإيراني الإشارات، وفهم مسبقاً مغزى قرار ترامب ومضمونه، ولذلك اتجه الرئيس الإيراني حسن روحاني لزيارة تركيا على نحو عاجل، للوقوف على طبيعة التطورات في الموقف التركي».
واعتبر، أن الخاسر الأكبر هم الأكراد الذين وجدوا أنفسهم، بعد تخلي الأميركي عنهم إزاء خيارين: إما إلقاء السلاح، بطلب روسي، في حال الرفض وعدم الانصياع للمشروع الأميركي التركي الجديد، أو إلقاء السلاح بطلب تركي في حال القبول بالمشروع الأميركي-التركي، ما يفضي بهم إلى التعامل مع الوجود التركي كأمر واقع.
وأضاف: وهنا يتعين على الأكراد استخلاص العبر والدروس، وفهم مغزى التحولات، وتقدير الموقف بصورة عقلانية وواعية، والتخلص من تطلعات سياسية، لا يمكن أن تندرج إلا في سياق الأوهام والطوباوية. كما أعرب معد الورقة عن اعتقاده، بأن شروط إنتاج الحل للأزمة السورية لم تتوافر حتى اللحظة الراهنة، لأن رهانات واشنطن، وتطلعاتها نحو تحقيق الأهداف الإستراتيجية الكبرى عن طريق توظيف الحرب والصراع الدائرين في سورية، لم تتحقق بالصورة والتصور الأميركي حتى اللحظة الراهنة، تحديداً لجهة ضمان الأمن الإستراتيجي لـ«إسرائيل»، والحد من النفوذ الروسي والأوروبي في المنطقة، واحتواء دور الصين الصاعد، والتحكم بمصادر الطاقة.
وقال: «يجب أن ندرك أن الانسحاب الأميركي من سورية، لا يمثل في المرحلة الراهنة تسهيلاً لتمرير الحل الإستراتيجي للأزمة السورية، كما يتعين علينا، ألا نبالغ كثيراً، وألا نراهن بصورة تبشيرية على أي مراجعة لثوابت السياسة الأميركية التاريخية المتعلقة بالإقليم أو المنطقة».
الوطن السورية
Discussion about this post