في ظل التطوّرات الحاصلة في منطقتنا، وما نشهده من تغييرات جذرية في العلاقات ما بين الدول الإقليمية (خاصةً على صعيد الاتفاق ما بين السعودية والجمهورية الإسلامية)، بعد عقدين من الصراعات المحتدمة ما بين محور المقاومة والمعسكر الأمريكي، والذي انتهى بانتصار الأول وتراجع نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة بعد خروج قواتها المذلّ من أفغانستان.
أمام كل ذلك، ليس مطروحاً أمام خصوم حزب الله في لبنان سوى خيارين لا ثالث لهما: إمّا القبول بالحوار مع الحزب كوسيلة لبناء رؤية واضحة للبلاد خلال المرحلة المقبلة، تبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية، وإما فلينتظروا أن يتم بيعهم من قبل رعاتهم العرب (السعودية)، بفعل أي تسويةٍ تتمّ مع الحزب.
فالتجربة التاريخية تُفيد بأنه لطالما جاءت التسويات في لبنان من خارجه، من الدول الإقليمية والكبرى ذات النفوذ فيه، ودائماً ما تأتي هذه التسويات على حساب القوى اللبنانية التابعة للمعسكر الخاسر.
وفي هذا السياق من المفيد لبعض القوى التابعة لما كان يُعرف بالـ 14 من آذار، خاصةً أولئك المقربين جداً من السعودية، العودة بالذاكرة قليلاً الى بعض التجارب التاريخية التي حصلت. ومنها ما ذكرها المحرر الأول في مركز مالكولم إتش كير كارنيجي للشرق الأوسط، مايكل يونغ، في مقالٍ أعدّه منذ أيام، عما حصل في العام 1976، مع رئيس حزب التقدمي الاشتراكي الأسبق الراحل كمال جنبلاط.
ففي ذلك العام، عُقدت قمة عربية في مدينة الرياض بالسعودية، في الـ 16 تشرين الأول / أكتوبر 1976. كان كمال جنبلاط قبلها، قد زار مصر لتأمين مساعدة من رئيسها أنور السادات في صراعه ضد سوريا، بعد أن دخل جيش الأخيرة إلى لبنان في شهر حزيران / يونيو 1976، لإيقاف الحرب الأهلية، وهو ما كان يعني حينها منع هزيمة الجبهة اللبنانية المسيحية ومنع انتصار الحركة الوطنية بقيادة جنبلاط.
وعلى خلفية هذه الجهود التي تمت بإدارة الرئيس السوري آنذاك حافظ الأسد، حدث انقسام بين الدولتين السورية والمصرية حول هذا الموضوع، ما دفع بالسادات الى إبداء تعاطفه مع جنبلاط، مقترحاً عليه السفر إلى ليبيا أيضًا، لطلب المساعدة من الزعيم الليبي معمّر القذافي. وفيما كان جنبلاط في طرابلس، تصالحت مصر وسوريا في قمة الرياض. فعاد جنبلاط إلى القاهرة حيث وضعه المصريون بصورة فظة على متن سفينة أعادته إلى لبنان.
هذه التجربة بالنسبة ليونغ، يمكن الاستخلاص منها بأن التحوّلات التي تشهدها العلاقات بين الدول العربية، دائمًا ما تقلب الحسابات السياسية رأسًا على عقب.
وهذا ما يمكن له أن يحصل في هذه المرحلة أيضاً، لأن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بحسب العديد من الأوساط الإعلامية، يولي القضية اللبنانية اهتماماً كبيراً، لذلك كانت في مقدمة ما جرى بحثه خلال لقائه الأخير بالرئيس بشار الأسد عَقبَ قمة جدّة. حتى أن البعض أشاع بأن هناك إعادة إحياء لصيغة السين السين (سوريا السعودية)، التي رعت النظام السياسي اللبناني خلال تسعينيات القرن الماضي.
لكن الوضع الحالي في لبنان، مختلف جداً عما سبق، بوجود حزب الله ذو البعد الوطني والإقليمي، وطبيعة تحالفه مع الدولة السورية ورئيسها في إطار محور المقاومة. وبالتالي سيكون هو المعبر الأساسي، لأي إعادة إحياء لصيغة السين السين من جديد، وبالتأكيد ليس على حسابه أو على حساب مصالحه!