بالأمس القريب أعلن رئيس الولايات المتحدة، ترامب عزمه على "سحب" جنوده ودبلوماسيه من سورية، بعد أن أنهوا مهمتهم في هزيمة "داعش" على حد زعمه، الذي لم يلاقِ استحسانا حتى من معظم المقرّبين له في دائرته ومن داخل حزبه، الذي ما لبث وزير دفاعه على تقديم استقالته، احتجاجا على ما وصفه بخذلان حلفائه وما ينطوي عليه قراره، من رسالة غير مشجّعة إلى الدول المنضوية تحت عباءته.
الاحتجاج على القرار لم يتوقف عند الكثيرين من الجمهوريين لوحدهم، بل تعدّاه حتى يشمل الديمقراطيين كما هو من البديهي، الذين استغلوا الأمر بتوجيه الاتهام إلى الرئيس الأمريكي، في عدم المسؤولية عند اتخاذ القرارات الاستراتيجية الأمنية، إضافة إلى تذكيره في العديد من الإخفاقات الداخلية، سواء على الصعيد الاقتصادي مع تراجع سوق الأوراق المالية، أو تحقيقات المدعي العام "مولر"، التي قد تنتهي في حال أثبتت التحقيقات كذب "ترامب" في إنكار استغلاله أموال الانتخابات من أجل شراء صمت خليلاته، في احتمال توجيه التهمة إليه لاحقا، عندما سيتربع على منصّة رئاسة مجلس النواب الديمقراطيون، في كانون الثاني القادم!
أما من ناحيتنا نحن فإن "الانسحاب"، إنما جاء كي يشكل الدليل على هزيمة المشاريع الأمريكية الشرق أوسطية، ونحن نستشهد على ذلك بتصريحات عميد الإرهاب الدولي، النتن ياهو وهو يزعم عن تخوّفه من النتائج المترتبة على قرار "الانسحاب" هذا، إلا دوننا من الروية في الاحتكام إلى نتائج تجاربنا التاريخية وغيرنا مع الأمريكان، عندما لا يتنازلون عن شيء أو يعطوه لغيرهم، ما لم يعرفوا مقدما عن الثمن الذي سوف يقابله، فكيف يكون الحال عليه عندما يتعلق الأمر في "الانسحاب" من "المثلث"، الذي طالما حلمت أركان الدولة الأمريكية العميقة التواجد فيه، ما لم يكن هنالك ما هو أغلى من الثمن التقليدي، سواء لناحية التمهيد للحاكم العثماني بتحقيق أطماعه، سواء لناحية بسط نفوذه والسيطرة على الشمال السوري، وما سوف يترتب عليه إزاءه من نزاعات عرقية وما قد يتفرع عنها، تنهي التنسيق الإيراني التركي الصوري في سورية، وتشغل محور المقاومة والممانعة بما هو في غنى عنه، حتى تتهيأ الظروف بعد ذلك لتمرير الصفقات المشبوهة، التي طالما وقف المحور ندا لها طيلة أوقات المواجهة!
صحيح أنه من حق أنفسنا علينا أن نفرح ونفاخر، عندما يغادر كل محتلّ أرضنا المقدسة، سواء على الرغم منه مدحورا، أو حتى عندما يزعم إنما كان بحكم إرادته، ولكن الأصح أن لا تشغلنا اختلافاتنا الفكرية واجتهاداتنا المشروعة، ونحن نستذكر العشرات من الآلاف من أنبل جيوش الأمة، الذين قضوا شهداء من أجل أن يحيا الوطن، عندما سيمارس السوريون سواسية حقهم السيادي غدا في تقرير دستورهم، دون أي تدخل خارجي، حتى يدرك كل من تآمر عليها، "أنهم لن يحصلوا بالسياسة ما عجزوا عنه بالإرهاب" كما أكد عليه عميد السياسة الدولية، الدكتور بشار الجعفري في آخر اجتماع لمجلس الأمن.
د. أنور العقرباوي – كاتب فلسطيني- وشنطن
Discussion about this post