مثلما هناك بطرس الأكبر، هناك فلاديمير الأكبر…
قد تجد ذلك الجنرال الروسي العجوز الذي يقول «ان السيدة العذراء قاتلت الى جانبنا ضد خيول نابليون بونابرت كما ضد دبابات أدولف هتلر».
الجنرال يرى أن الامبراطور والفوهرر كانا على حق حين اعتبرا أن من يضع يده على روسيا، يضع يده على الكرة الأرضية. هذا هو… السيد المستحيل!
هذه خلاصة قراءات لأبحاث ولتعليقات باحثين (ومستشرقين)، وصحافيين وأكاديميين، روس. اذ يتأملون بانورامياً في المشهد الدولي، يتوقفون (ونتوقف) أكثر عند الشرق الأوسط الذي يصفونه، حيناً بالخاصرة الرخوة في الكرة الأرضية، وحيناً بخاصرة النار.
يقولون ان بوتين عمل لـ «روسيا المقدسة» خلال عقدين ما لا يمكن عمله على مدى قرنين. يستذكرون كيف أن بوريس يلتسين، وكان أشبه ما يكون ببرميل من الفودكا يتدحرج في أروقة الكرملين. القوات المسلحة تشتتت، والجنود في فلاديفستوك، حيث الصقيع المروع، كانو يمزقون قمصانهم لاستخدامها كأحذية.
أين هو الجيش الروسي الآن؟ يحدثونك عن المعجزة التي حصلت. «لدينا الآن جيش من أكثر الجيوش تطوراً في العالم. مصانعنا اخترقت التابو الأميركي، وأنتجت اسلحة أثارت ذهول البنتاغون».
الأداء على الأرض السورية كان خارقاً. عشرت الضباط والمستشارين الأجانب وضعوا خططاً جهنمية لاجتياح دمشق بعدما أنهكوا الجيش السوري الذي كان يقاتل على مئات الجبهات، وفي مواجهة اسلحة فتاكة للغاية. القاذفات الروسية حطمت الحلقات اللوجيستية المتداخلة. صدمت أصحاب الخطط الذين كان عليهم لملمة «جماعاتهم» في ظروف عاصفة ومعقدة.
الدببة حين تقرع الطبول. التركيز ايضاً على اعادة تفعيل أجهزة الاستخبارات التي تفوقت على الأجهزة الأميركية في مناطق حساسة. أما تهمة التدخل في الانتخابات الرئاسية الأميركية فلا تعدو كونها «نكتة سمجة».
الباحثون الروس يصفون الشرق الأوسط بـ«المنطقة التي مات فيها التاريخ». وقد يكون المقصود المنطقة التي مات فيها الزمن.
لا شيء يشي بأن المنطقة يمكن أن تتخلص من ذلك الوباء الايديولوجي الذي استوطن اللاوعي العام. الصراع الدموي الذي يتقاطع فيه القبلي مع الاستراتيجي يبدو مشرعاً على… الأبد.
لا يفهم الروس لماذا تذهب أنظمة الخليج الى ما ذهبت اليه في التبعية للولايات المتحدة، مع أن باستطاعتها، بتلك الثروات الهائلة، وبذلك الموقع الجيوستراتجي الفائق الأهمية, اقامة منظومات دفاعية على مستوى عال من المناعة والفاعلية.
يعتبرون أن محمد بن سلمان حقق انجازاً لا يستهان به بالفصل التدريجي بين المؤسسة السياسية والمؤسسة الدينية، المسؤولة، بصورة أو باخرى، عن انتاج الظواهر البربرية التي طفت، في السنوات الأخيرة، على سطح المنطقة.
مأخذهم على ولي العهد أنه بالغ كثيراً في الرهان على دونالد ترامب. الصفقات التي أبرمت لم تكن «واقعية» بأي حال، لا بل أن الرئيس الأميركي تعامل مع السعودية، وامام الملأ، على انها مغارة علي بابا. هو الآتي من ليالي لاس فيغاس لطالما وصف مجتمعات المنطقة بـ «مجتمعات الف ليلة وليلة».
كان باستطاعة الأمير الشاب أن يلعب بصورة أفضل، وان وقع ضحية الخوف من أن مغامرة الانتقال ببلاده من الانغلاق الى الانفتاح خيار خطير جداً، ويحتاج الى مظلة أميركية راسخة في ارجاء البلاط.
تأكيد من الباحثين الروس على عدم «قطع خيوط العنكبوت» مع المملكة التي قد تتقاطع المصالح معها في زوايا معينة. الكرملين عرض أكثر من مرة سيناريوات خاصة بالخروج من المستنقع اليمني، وحيث تداعيات الكارثة بدأت تنعكس، دراماتيكياً، على ولي العهد.
يضحكون حين يشيرون الى «الصحوة الاخلاقية» لدى الأميركيين بعد حادثة القنصلية، كما لو أنهم بعيدون عن يوميات الدم في اليمن.
غالباً ما يسخرون لدى الحديث عن «المعارضات» السورية. لا يرون فيها «البضاعة المحلية»، ناهيك عن أن مفهومها الفلسفي للنظام السياسي لا يقل توتاليتارية عن الأنظمة التي تتولى ادارتها.
يشيرون الى أن العلاقات مع ايران أخذت منحى «أكثر استراتيجية». هي «تتفهم نظرتنا الى القضاياالساخنة في المنطقة»، مع وصف «الفزاعة الايرانية» بـ «البدعة الأميركية»، دون التوقف عن بذل الجهود لحمل السعوديين والايرانيين على الجلوس الى الطاولة، الأمر الذي ازداد تعقيداً بعدما وضع ولي العهد مصيره، ومصير المملكة، بيد البيت الأبيض.
لا يتوقعون تغييراً في هيكلية السلطة في السعودية. معلوماتهم تقول ان جهوداً هائلة بذلت للحيلولة دون وقوع انفجار داخل العائلة المالكة، وقد تزعزعت، لأن البديل قد يكون على شاكلة جهيمان العتيبي الذي اقتحم الحرم المكي عام 1979.
أخيراً، عذابات الشرق الأوسط مثل أزمات الشرق الأوسط. اندريه مايكل تحدث عن… ليلة عقد القران على العدم!
نبيه البرجي – الديار اللبنانية
Discussion about this post