يبدو أن شهية القتل والتدمير للتحالف الستيني الذي تقوده الولايات المتحدة في العراق وسوريا وللتنظيمات الإرهابية التابعة له قد انفتحت عن آخرها، وباتت مستعدة لتلتهم ما تبقى بين الجلد والعظم لأبناء الشعب السوري بعدما أتت عليهم العقوبات الاقتصادية الجائرة، ونال منهم الحصار الاقتصادي الظالم. وتتصدر كل من مدينة هجين بريف دير الزور، ومدينة حلب واجهة الحدث المؤلم، حيث سال لعاب الطائرات الحربية للتحالف الستيني على كتلة العظم المتبقي في مدينة هجين، في الوقت الذي كانت فيه التنظيمات الإرهابية تنفذ أوامر منتجيها ومشغِّليها بالجرم ذاته في حلب باستهداف المدينة بالغازات السامة، حيث أوقعت الجريمتان عشرات الضحايا بين قتيل وجريح.
من المؤكد أن هاتين الجريمتين بحق المدنيين ليستا الأوليين ولن تكونا الأخيرتين، فقد سبقهما العديد من الجرائم والاعتداءات التي كشفت حقيقة التآمر المبيَّت على سوريا بهدف تدميرها وتحطيمها، وتحويلها إلى كانتونات طائفية متناحرة، ليس أدل على ذلك من الرهانات القائمة على مكونات اجتماعية سورية، كما هو حال بعض من المكون الكردي الذي يراهن عليه الأميركي في قدرته على تحقيق الأجندة الصهيو ـ أميركية، والمشروعات الاستعمارية بوجه عام بتقسيم سوريا، وإنشاء إقليم كردي متمرد ومنفصل عن سوريا يعزلها عن جوارها من جهة العراق، بعدما فشل الرهان على التنظيمات الإرهابية بقيادة تنظيمي “داعش” و”النصرة” في تحقيق الأهداف الاستعمارية التدميرية ولو هدفًا واحدًا، خصوصًا بعد النجاحات المتتالية للجيش العربي السوري وحلفائه في تطهير المدن والقرى والأرياف من رجس الإرهاب التكفيري، وإلحاق الهزيمة الماحقة بهذه التنظيمات، وحرق جميع الأوراق التي كان معشر المتآمرين يتوهمون أنها قادرة على ترتيب مشهد التدمير والتخريب والتقسيم وفق مقاييسهم وحساباتهم.
لذلك من تابع محطات المؤتمرات والاجتماعات التي كانت تعقد لمناقشة الحل السياسي قد وقف على النعرات والاستفزازات والابتزازات التي يراد منها نسف كل المقاربات التي كانت سوريا تطرحها لتقريب وجهات النظر والوصول إلى نقاط مشتركة ونقاط اتفاق، ومناقشة نقاط الخلاف بكل جدية وشفافية ووضوح، مع ما صاحب آنذاك من موجات إرهابية ومخططات إجرامية تستهدف المدنيين من أجل حرف بوصلة جولة التفاوض عن مسارها إلى ما يخدم رؤى ومشروعات معشر المتآمرين، علاوة على توظيف جولات التفاوض في الإفراج عن الضباط والجواسيس الذين يتولون عمليات التخطيط والتوجيه وجمع المعلومات للتنظيمات الإرهابية، والذين كان يحاصرهم الجيش العربي السوري، على النحو الذي كان ـ على سبيل المثال وليس الحصر ـ في مدينة حمص وما تلاها في حلب والغوطة وجنوب سوريا، حيث الحجة هي “رفع الحصار عن المدنيين، والسماح لهم بالخروج، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية”.
من الواضح أن معشر المتآمرين على سوريا باتوا على يقين بأن خيمة تآمرهم قد سقطت على رؤوسهم ولم يبقَ منها إلا وتد واحد وهو المتمثل في إدلب، وباقتلاعه من قبل الجيش العربي السوري تسقط جميع المبررات التي رفعها معشر المتآمرين للتدخل في الشأن الداخلي السوري، فأول مبرر/الكذبة الكبرى والمتمثل في محاربة تنظيم “داعش” الإرهابي قد أسقطته كل تطورات الأحداث وطبيعة التدخلات من قبل معشر المتآمرين وحتى الآن، حيث لا يزال العمل يمضي لإعادة الروح في جسد التنظيم، ودعمه بما يحتاجه من عتاد وأفراد ليعود كما كان، فعمليات نقل عناصره من العراق وإلى سوريا والعكس لم تتوقف، وكذلك عمليات إدماجه مع الميليشيات الكردية الانفصالية، في حين أن الاعتداءات المتواصلة على المدنيين في ريف الزور التي يشنها التحالف الستيني هي جزء من عمليات الدعم والتمكين لتنظيم “داعش” الإرهابي. وما يمكن استنتاجه من هذه التطورات الكارثية على الشعب السوري والتي أطاحت بما حاول معشر المتآمرين تسويقه من إنسانيات، وحرص على حقوق الإنسان، وحريات وعدالة ومساواة وغيرها، هو أن معشر المتآمرين يسابقون الزمن لتدارك هزيمتهم المرتقبة في محافظة إدلب وتطهيرها من رجس الإرهابي التكفيري، بمحاولة فرض سياسة الأمر الواقع على شرق الفرات السوري امتدادًا مع العراق وتركيا، وعزل سوريا عن العراق وإيران؛ أي فكفكة الترابط الجغرافي لمحور المقاومة الممتد من طهران مرورًا بالعراق وسوريا وحتى لبنان.
في الواقع ما كان لينكشف هذا التآمر بهذه الصورة الفاضحة لولا الصمود الأسطوري للدولة السورية شعبًا وجيشًا وقيادة، الصورة التي لم يكن فيها الشعب السوري سوى جسر عبور نحو إنجاز المشروعات الاستعمارية، تارة بالمتاجرة بحقوقه والتذرع بالدفاع عنها، وتارة باستهدافه وإبادته بعدما انكشفت المتاجرة بحقوقه.
على أن مثلما كانت غارات التحالف الستيني العدوانية على مدينة هجين بريف دير الزور متعمدة ولها أهدافها، فإن استهداف المدنيين بغاز الكلور السام في مدينة حلب من قبل التنظيمات الإرهابية لا يخرج عن سياق الأهداف، ولن يكون أيضًا دون علم منتجي هذه التنظيمات ومشغليها. ما يؤكد العلاقة العضوية القائمة بين معشر المتآمرين والتنظيمات الإرهابية ووحدة الهدف وهو التدمير والتخريب والتقسيم ونهب الثروات والمقدرات.
الوطن العمانية – خميس التوبي
Discussion about this post