فقاعات الصابون المتناثرة التي تخرج من الوعاء النحاسي الكبير، وبخار الماء الساخن الذي يغطي المكان، مع تدفق الماء المنسكب من الصنابير لجوف الأجران الحجرية، ممتزجة مع دفء يتغلغل لخلايا الجلد، ومع كل الانتعاش الذي يشعر به الزائر لهذا المكان سيكون صعباً عليه أن يترك ما يسمى (الجواني) المكان الأكثر راحة لدى الحلبيين المقبلين على حمام السوق في فصل الشتاء.
محيط قلعة حلب الذي تعافى من دوامة الحرب، وبدأت الحركة السياحية تجري في شرايينه يتربع حمام "باب أحمر" على كتف القلعة حيث عاد من جديد ليحيي أكثر التقاليد الشعبية المحببة للحلبيين، ومع موسيقى الطرب الحلبي الأصيل التي تصل لكل أرجاء الحمام فكان لنا زيارة لهذا المكان الممتع ورصدنا أبرز تقاليد حمام السوق الحلبي الذي لا يختلف كثيراً عن حمامات السوق في دمشق أو حتى في مختلف المحافظات الأخرى.
تستقبلك روائح صابون الغار الحلبي مع دخولك للحمام، وأول ما يقع نظرك عليه هو النافورة التي تتوسط المكان بزخرفتها الجميلة يحيطها مجالس أخذ الرجال أماكنهم بها تكسوا أجسادهم قطع قماش بيضاء اللون تدل على أنهم خرجوا تواً من (الجواني)، "عادت حلب إلى ما كانت عليه وعادت المياه إلى مجاريها وعاد الحلبيون يتدفقون إلى هذا الحمام بشغف لإحياء تقاليد شعبية توارثوها عن أجدادهم".
حيث قال السيد "سائر خير الله" الملقب "أبو جواد" صاحب حمام "باب أحمر": "يأتي إلى الحمام الكثير من الناس في فصل الشتاء وهو اقبال ملحوظ هذا العام، مع تعافي المدينة، وأول ما يصل الزائر للحمام يخلع ثيابه ويرتدي (الميزر) وهو لباس الاستحمام، ليختار بعدها الحجرة الجوانية التي يود أن يستحم بها ويتنقل كيفما يشاء بين غرف الحمام المتعددة حسب رغبته، منها غرف البخار والساونا والمسبح، وخارج الحمام قاعة تراثية كبيرة على الطراز القديم، ونافورة توضع حولها الفواكه والحلويات التي يحضرها الزوار معهم بحسب التقاليد والتي تسمى (البراني) ويقعدوا بالمشالح ويلفوا أنفسهم بـ (البشاكير) ويحتسون مشروبات ساخنة مثل (الشاي، والزهورات وغيرها).
بيديه كلتيهما، يمسك العم "أبو محمود" الصابون و(الليفة) المصنوعة من شعر الحصان ويضعهما في وعاء نحاسي كبير يمزجهما بخبرة الانسان العارف بمهنة عمل بها طوال خمسين عاماً، فقاعات الصابون التي تخرج من الوعاء لا تضفي رونقاً جميلاً فقط بل وتشعر زوار الحمام بالارتياح.
يتحدث "رياض نجار" الملقب بـ "أبو محمود" عن مهنته داخل الحمام في (التكييس) في حمام السوق قائلاً: "عملت في حمامات بحلب وخارج حلب وحتى في لبنان لخمسة عقود متتالية، الحمام بالنسبة لي ليس عمل يدر لي رزقاً فحسب بل هو احتراف وهواية معاً لأنني أشعر أنني أقوم بإنجاز مهمتي على أكمل وجه حينما أقوم بواجبي، فالحمام حالة رضا وسرور يسعى كل الزوار للشعور بها هنا في حمام السوق".
سنمار سورية الإخباري
Discussion about this post