الديبلوماسية الروسية دعت إلى «فيينا السوري»، لكنها لن تأتي إلى الاجتماعات التمهيدية اليوم؛ غادر ممثلوها الاجتماع الأول الذي انفجر فوراً بعد اكتشاف الروس أن الأميركيين والأتراك والقطريين والفرنسيين توافقوا على تقسيم المؤتمر بين دول فاعلة تقرر، وأخرى تشارك من دون قرار، من دون مشاورات مسبقة معهم. ورد الروس بلسان المتحدثة باسم وزارة الخارجية ماريا زاخاروفا بالقول إن «روسيا لا تقبل فرض حلول للأزمة السورية وخطوات أحادية الجانب في عملية التسوية».
ووصفت زاخاروفا خطوات واشنطن الخاصة بتشكيل لجان العمل الفرعية حول سوريا بأنها «تجربة فاشلة»، مشيرة إلى أن هذه اللجان لم تفترض مشاركة كل من إيران والعراق ولبنان وإيطاليا والاتحاد الأوروبي. وتابعت أن روسيا لا تدرك حتى الآن الصيغة التي تعمل بها هذه اللجان وأهدافها.
وتقول مصادر مقربة من الروس أن القرار بالحضور أو الغياب عاد موضع نقاش في موسكو، بعد الانقلاب الذي نفذه على برنامج العمل المقرر مربع قطر الولايات المتحدة تركيا وفرنسا، لكنها تميل إلى تأكيد حضور الوزير سيرغي لافروف اجتماع وزراء خارجية الدول العشرين، والإعداد لمواجهة مع المربع الذي يحاول الاستيلاء على «فيينا السوري».
الإيرانيون غابوا أيضاً عن الاجتماع التمهيدي لكبار الموظفين، الذي اصطدم بالمربع القطري التركي الأميركي الفرنسي، وهم لم يُدعوا أصلا اليه. وتحققت مخاوفهم الأولى من أن يكون الأميركيون قد بدأوا العمل على تغيير المسار الذي أقيمت عليه نقاط فيينا التسع، والتي تقطع كليا مع خطة جنيف، وتضع مسألة بقاء الرئيس بشار الأسد أو تنحيه، في يد الشعب السوري وحده، لا في يد أي حكومة انتقالية أو مسار يحكم مسبقا على الموقع الرئاسي السوري بالانكفاء، وهددوا عندها بصوت حسين أمير عبداللهيان بمقاطعة فيينا .
المربع القطري الأميركي التركي الفرنسي أدار منفرداً ما كان لقاءً تمهيدياً يدور فيه النقاش حول غربلة الإرهابي من المعتدل في الفصائل المسلحة، وإعداد قوائم بأسماء الوفد المعارض الذي سيجلس إلى طاولة المشاورات في فيينا، وجنيف لاحقاً، مع وفد حكومي سوري .
اللغم الذي جاء به المربع إلى فيينا، على ما تقوله مصادر ديبلوماسية غربية، عمل على مرحلتين:
الأولى بدأت باستعادة المبادرة من الروس، للرد أولا على محاولة موسكو فرض إيقاع وشروط الحل في سوريا، ومنعها سياسياً من استثمار التقدم الميداني للجيش السوري، والعمليات الروسية، على معظم الجبهات السورية.
وبحسب المصادر في فيينا، رفض المربع المعادي لروسيا خلال اجتماع الأمس البحث في أي تمثيل للمعارضة في فيينا أو جنيف، من خارج الائتلاف السوري المعارض، الذي تديره تركيا وقطر والولايات المتحدة. وكان الروس قد وضعوا لوائح بـ٣٨ اسماً معارِضاً، فيما تقدم السعوديون بـ٢٥ اسماً، واقترح المصريون، بدعم إماراتي ١٨ اسماً، لكي يختار المجتمعون منهم ٢٠ أو ربما ٢5.
ورفض المربع أي بحث بتشكيل الوفد السوري المعارِض من خارج الائتلاف، إلا في ما يقرره الائتلافيون أنفسهم من التنازل عن مقعدين أو ثلاثة للهيئات المعارضة الأخرى التي تضم «مجموعة استانا» التي تقودها المعارِضة رندا قسيس، ولجنة «مؤتمر القاهرة» التي يتقدمها هيثم مناع، والائتلاف المعارض و «حزب الإرادة الشعبية» وأمينه البارز قدري جميل و «هيئة التنسيق الوطني» وهيئات من المعارَضة الداخلية التي حضرت مؤتمر موسكو.
ويحاجج الرباعي في إيلائه وحدانية التفاوض للائتلافيين، دون غيرهم، بكونهم حازوا منذ ثلاثة أعوام حصرية تمثيلية منحهم إياها «مؤتمر أصدقاء سوريا»، و١٢٠ دولة شاركت في لقائهم الأول في باريس.
ويقول مصدر إن الوفد المصري إلى الاجتماع رفض الاقتراح الرباعي بحصر التمثيل السوري المعارِض بالائتلافيين، وذكّر بأنّ الائتلاف لم يكن قادرا قبل يومين على مجرد إرسال رئيس حكومته الموقتة إلى الشمال السوري، بعدما رفضت «الجبهة الشامية» السماح له بالخروج من المعبر الذي تسيطر عليه عند الحدود التركية نحو سوريا. ودعمت الإمارات والأردن وجهة مصرية قالت بأن الائتلاف في تركيبته الحالية ليس مؤهلا للانفراد بالعمل في المسار السياسي، وبأنّ مجموعات أخرى معارِضة تملك مصداقية وتمثيلاً يستحق أن يؤخد في الاعتبار، فضلا عن الاستعداد للعمل على مسار سياسي بجدية .
وفي المرحلة الثانية، التي أثارت حنقاً روسياً، برزت دعوة الأميركيين، من دون مشاورات مسبقة مع الروس إلى فيينا، دولتَين هما فنلندا وبولندا، فيما طلبت اليابان الحضور، وهي دول لا تشكل جزءًا من مجموعة الاتصال المتفق عليها حول سوريا. ويبدو التوسيع محاولة أميركية لتمييع المسار، وتشتيت قدرة الروس على ضبط المفاوضات، فضلا عن اقتراح أميركي وقطري وتركي بتشكيل مجموعات عمل داخل فيينا، من دول رئيسة تحضر الاجتماعات وتساهم في القرارات، ودول فرعية تحضر المشاورات، ولكن لا تشارك في اتخاذ القرارات.
وتقول مصادر مقربة من الديبلوماسية الروسية إن الأميركيين بدأوا بإعادة عقرب فيينا والمسار السياسي إلى الوراء، من خلال اجتماعات فرعية تدور بين «مجموعة أصدقاء سوريا»، وتدير هجوماً ديبلوماسياً مضاداً للمبادرة الروسية، وتستهدف العودة إلى البحث أولا بالمرحلة الانتقالية، وتقترح أن يتحوّل الوفد المفاوض من الائتلافيين إلى نواة لتلك الحكومة.
وقال وزير الخارجية الأميركي جون كيري: «إننا لا نزال نتفاوض مع روسيا حول مستقبل الأسد ولا تزال الخلافات حوله تفصلنا عن بعضنا البعض».
Discussion about this post